الموروث الشعبي العربي غني بالقيم والمباديء والحلول للمشاكل التي نعاني منها ، وهو نور ينير الدرب لمن ضل الطريق وينجي من المهالك، ويقود إلى بر الأمان ، وقيل أن الكيس من إتعظ بغيره .
وما نحن بصدده هو : لا تنه عن خلق وتأتي مثله ، عار عليك إذا فعلت عظيم، و: إبدأ بنفسك أولا ، وهذه هي رسالتنا الواضحة التي لا لبس فيها إلى حركة حماس التي أوهمت الأمة الإسلامية أنها حركة مقاومة إسلامية ، وبذلك إكتسبت الشرعية الإسلامية ، لكنها مع شديد الأسف إنتهت إلى ما سبقها من "الثوار" ، ولم تتعظ من مصير هؤلاء الذين تخلوا عن القضية وحتى عن مسقط رأسهم ، وأوهوا أنفسهم أن الحياة مفاوضات .
صحيح أن سلطة رام الله تولت حسب تعليمات دايتون حفظ أمن إسرائيل ، وتعمل على قتل الروح الوطنية في الضفة الفلسطينية ، لكن حماس هي الأخرى تقوم بذات الشيء في غزة هاشم ، وبذلك تساوت الفئتان ووجب خلعهما .
ما دعاني إلى كتابة هذا المقال هو دعوة حماس سلطة رام الله إلى السماح للمقاومة أن تنطلق من الضفة ، وهذا ما يجعلنا نقول لحماس أنه من باب أولى ان تسمح هي للمقاومة هناك ان تنطلق من غزة ، لا أن تحرس الحدود وتطلق النيران على ركب من أراد المقاومة لأنها تريد أن تحتكر "المقاومة "لأنها رأت فيها "مقاولة " ولا أظن أننا مضطرين لقبول خدعة العدوانات الإسرائيلية على الأهل في غزة بحجة القضاء على حماس ، وكما قلنا سابقا فإن المقاومة ليست فزعة من أجل التصدي في وجه العدو ، بل هي عمل مستمر على أرض الواقع.
إرتبكت حماس خطايا كثيرة أودت ليس بها ، بل بالقضية الفلسطينية نفسها ، لأن خطأ حماس أكبر من خطيئة الآخرين ، لأن أي تحرك تقوم به حماس ، إنما هو شرعية دينية يضاف إلى ما يطلقون عليها :مبادرة السلام العربية ، ولذلك فإن الخوف على القضية الفلسطينية بات من حماس لدورها ومكانتها الدينية ، فالآخرون حسموا أمرهم ، والشعب قال كلمته فيهم ، ولولا الغطاء الإسرائيلي لهم لكان مصيرهم فعليا قد تحدد منذ زمن.
أتقنت حماس لعبة المصالح والنطنطة على الحبال الرسمية ، وتأصلت في الأردن بعد تسجيلها في وزارة الداخلية الإسرائيلية كجمعية خيرية ، في العام 1987 ووزعت بيانها رقم 23 في الأردن ، لكننا لم نسمع أو نقرأ البيانات من 1-22 ، وحظيت بمكانة كبيرة في الأردن إلى درجة أن مكاتبها كانت في عمان تحظى برعاية رسمية خاصة ، وكان مسؤولوها ومنهم من يحمل الجنسية الأمريكية ينعمون بدلال زائد ، إلى درجة أنهم كانوا يفرضون على الصحف أن تسمي مندوبين خاصين لها ، وترفض التعامل مع مندوبي الشؤون الفلسطينية في تلك الصحف وهذا ما حصل معي شخصيا ، ناهيك عن أن الراحل الحسين كان يحتضنهم ويخاطب م.خالد مشعل بالتحديد ب:ولدنا خالد.
رغم هذه المكانة الخاصة لحماس في الأردن ، إكتشفت الجهات المعنية الأردنية ، أن هذه الحركة أنجزت تشبيكا سريا مع طهران دون أن تخبرها بذلك ،وهي التي أنشئت لتكون مصيدة للزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات ، بعد أن قرر المجتمع الدولي ضرورة إجراء مفاوضات بينه وبين إسرائيل ، وكانت الخطة أن تكون حماس هي بديل المنظمة في حال رفض عرفات التفاوض مع إسرائيل ، وأن تتهمه بالخيانة في حال وافق ، وهذا ما حز في النفس ، ولذلك كان القرار الأردني حاسما ألا تبقى حماس في الأردن .
تدخلت جهات عديدة لدى السلطات الأردنية ومنهم دولة قطر ، وآلت الأمور إلى ترحيل حماس إلى الدوحة ، ومن هناك إنطلقت إلى سوريا ومارست سلطنة ما بعدها سلطنة ، خاصة وأن علاقات منظمة التحرير كانت سيئة مع النظام السوري الذي كان يطمح بمصادرة القرار الفلسطيني واللعب بالورقة الفلسطينة ، وهذا ما جعل الزعيم الفلسطيني الراحل يختار أثينا بعد صموده في بيروت أواخر العام 1982 وتآمر الجميع عليه ، وكان النظام السوري ينتظره كي يلجأ إلى دمشق ، وبالتالي كانت الخطة السورية أن يدخل عليه ضابط سوري صغير قبل أن ينزع بوطه العسكري من قدميه في أحد الفنادق ، ويؤدي له التحية ويخبره بأنه قيد الإقامة الجبرية ، وعليه التوقيع على ورقة تخول الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد حل القضية الفلسطينية بالطريقة التي يراها مناسبة .
قلنا أن حركة حماس لم تتعظ بخطايا من سبقها ، كما انها لم تتعظ من نفسها أيضا ، وكانهم لا يعلمون أن السفاح شارون قرر إغتيال مؤسس الحركة الشيخ أحمد يسين الذي كان مقعدا لأنه أعلن أن حماس ، تسعى من أجل التوصل إلى هدنة طويلة مع إسرائيل ، الأمر الذي أدخل الرعب في قلب شارون ، لأن هذا التصريح ينسف كل الرواية الصهيوينة التي تقول ان العرب جميعا يريدون إطعام اليهود للسمك في البحر المتوسط ، وبالتالي أصدر شارون امره بإغتيال الشيخ المقعد يسن ، ومع ذلك كرر الخلف خطيئة السلف وهام يكررون نفس الخطيئة بالدعوة إلى هدنة مع إسرائيل مقابل سماح إسرائيل لحماس بتأسيس إمارة إسلامية في غزة ، وإعطائها ممرا .
ليس سهلا على من هو مثلي الغوص في هذه التفاصيل لأنها تؤذيني نفسيا قبل أن تؤذي أصحابها ، لكن الحقيقة يجب أن تقال ويقرع الجرس ، فحماس أيضا لم تتعظ حتى من النظام الرسمي العربي ، وكما هو معروف فإن النظام السوري وبرعاية من رئيس وزراء تركيا أردوغان في العام 1988 ، شارك في مفاوضات مع إسرائيل في أنقرة لثلاثة أشهر قيل أنها غير مباشرة ، وأن أردوغان أنجز إطار إتفاق يضمن بعودة الجانب السوري إلى شاطي بحيرة طبرية ، ووافق الوفد الإسرائيلي على ذلك .
عندها إستدعى أردوغان رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك إيهود أولميرت وأطلعه على الإنجاز ، لكن أولميرت لم يعجبه ذلك وقال لمضيفه أنه يرغب بالعودة من أجل التشاور ، لكنه هرب إلى الأمام وشن عدوانا همجيا على قطاع غزة بحجة القضاء على حماس ، وها هي حماس تتفاوض مع إسرائيل في انقرة من أجل التوصل إلى إلى هدنة ، دون ان تعلم أن إسرائيل لم توافق على السلام مع سوريا ، لكنها مؤقتا ستوافق على هدنة حماس ، لعدة أسباب أن هذه الهدنة ستعمق الإنقسام الفلسطيني وتسهم في شطب القضية الفلسطينية ، وفي نهاية المطاف فإن إسرائيل ستوعز إلى صنيعتها الثانية داعش للقضاء على حماس في غزة في حال رفضت بيعته ، وتكون غزة قد آلت إلى إسرائيل مجددا وبعمامة الحاخام
شمعون إيلوت المتنكر بشخصية أبو بكر البغداي كبير خوارج داعش.
رغم تقلباتها التحالفية ، فإن حماس لم تتقن لعبة التحالف فقد إنسحبت من سوريا بضجة وإتخذت موقفا معاديا من إيران ، وإلتفت على تركيا وهناك من يقول أن عناصر من حماس تقاتل في اليمن إلى جانب قوات التحالف وفق التحالف الجديد ، علما ان الراحل عرفات رفض عرضا مغريا مقابل مشاركة قوات منظمة التحرير في تحالف حفر الباطن ضد بغداد ، ويقيني أنه لو طلب من حماس إبان تحالفها مع طهران ان تقاتل في الأحواز على سبيل المثال لفعلت دون تردد .
الغريب في الأمر أن حماس حاليا تعرض المصالحة على طهران بعد قيام مسؤول كبير في سلطة رام الله بزيارة طهران وإعلانه أنه طلب من طهران إستقبال رئيس السلطة محمود عباس ، حيث أعلنت حماس من جانب واحد أنها سترسل وفدا كبيرا برئاسة د.محمود الزهار في جولة عربية إسلامية ومن ضمنها طهران ، لكن التسريبات تفيد أن طهران تشترط على حماس الإعتذار عن موقها من النظام السوري للعودة إلى سوريا.
إنطلاقا من كا ما تقدم وللإنقاذ ما يمكن إنقاذه ، أطالب العالم الإسلامي أن يخلع البيعة عن حماس مثلما جرى خلع البيعة عن سلطة رام الله.