هل ينصف النواب ابناء البادية في قانون الانتخاب؟
د. اسامة تليلان
29-09-2015 02:52 PM
يرى عدد كبير من الاردنيين وربما بعض المراقبين ان هناك تمييزاً يحظى به ابناء البادية الاردنية في قانون الانتخاب، حيث يقر القانون بوجود (كوتا) ضمن ما اصطلح على تسميتها للدلالة على نظام تخصيص مقاعد في مجلس النواب لأبناء البادية، رغم انهم لا يشكلون اقلية عرقية ولا اقلية دينية. ويقدم البعض لذلك تفسيرات تزيد من الاجحاف بحق ابناء البادية الاردنية.
في حين يرى عدد كبير من ابناء البادية ان هذا ليس تمييزا ايجابيا بحقهم، ويرون ان عدد الاردنيين المثبتين ضمن قوائم العشائر الاردنية، والمتواجدين في مناطق البادية الاردنية يوجب ان يكون لهم مقاعد بمثل ما خصصت الكوتا او اكثر .
ويرون ايضا انهم مقابل هذا التخصيص او الكوتا، قد حرموا من خوض الانتخابات في خارج مناطق دوائر البادية، حيث يستقرون في المحافظات، على عكس الكوتات الاخرى الموجودة في القانون التي تعني ضمان الحد الادنى من التمثيل في مجلس النواب، بمعنى انه يحق لمرشحي الكوتات الاخرى الحصول على مقاعد عبر التنافس العام غير مقاعد الكوتا، باستثناء ابناء البادية.
ويرون ان هذا الغلق لدوائرهم اسهم بشكل كبير في حرمانهم من خوض الانتخابات بشكل حر وتنافسي، وانه كرس عائلات بعينها يمكنها خوض الانتخابات واحتكار المقاعد النيابية او تبادلها بين ابنائها، وانه اضعف من تفاعلهم وانخراطهم في مناطق سكنهم خارج مناطق البادية.
ويضيف احد الاصدقاء في مقال سابق له ان فكرة الانتقال من دائرة انتخابية إلى أخرى التي أجازها مشروع القانون (مادة 4: و)، للمواطنين الراغبين بممارسة حقهم الانتخابي، بالانتقال من دائرة انتخابية إلى أخرى، بحسب الدين، والقومية، والأصل الجغرافي المحلي – مسقط الرأس العشائري. يعزز الانتماء القومي والديني ويجعلهما مقدمين على الانتماء الجغرافي المحلي والعام؟
يتنامى عدد ابناء البادية الذين يرون ان الكوتا والدوائر المغلقة المتعلقة بهم بقانون الانتخاب، باتت غير مبررة، وان الظروف التي اوجبت فكرة تخصيص مقاعد ثابتة لأبناء البادية او البدو في البرلمان قد تلاشت، مع استقرارهم في قرى ومدن وغابت فكرة الترحال المستمر بين مناطق المملكة، التي تميز بها نمط معيشتهم في النصف الاول من هذا القرن.
ويرون انه لو اعيد تقسيم مناطقهم الى دوائر جغرافية فانهم سيحصلون على نفس المقاعد، لاعتبارات التواصل الجغرافي بين مناطق كل بادية، ربما باستثناء بسيط يتعلق بدائرة بدو الوسط (التي انتمي اليها) لاعتبارات عدم التواصل الجغرافي بين قراها ولامتدادها في اكثر من محافظة.
بيد ان رفع الحظر عن ترشحهم في الدوائر الاخرى سيسهم في جلب مكتسبات عدة ، وسيحصلون بموجبها على مقاعد جديدة، وسيسهم في تعزيز انخراطهم في المجتمعات التي يقيمون في مناطقها، ويحد من انتقال اصوات الناخبين من المدن الى القرى التابعة لمناطقهم.
ورغم عدم تأييدي للحديث حول قانون الانتخاب من منطلق اجتماعي او وفق انظمة التخصيص المبالغ بها، الا ان هذا الواقع الذي كرسه قانون الانتخاب، عندما اعتمد على التمثيل الاجتماعي وتجاهل التمثيل البرامجي. وما زال مشروع قانون الانتخابات الجديد المنظور امام مجلس النواب بذات الاتجاه.
وانطلاقي في ذلك من انه كلما اعتمد قانون الانتخاب على التمثيل الاجتماعي كلما تعززت الهويات الفرعية العشائرية والعرقية والدينية، وقلة فعالية البرلمان، وزدت مع الايام فئة المطالبين بمقاعد لهم بالبرلمان على اسس غير برامجية، وكلما اعتمد القانون على التمثيل البرامجي كلما تعززت روح المواطنة والهوية الوطنية وزادت فعالية البرلمان.
لان البرلمانات الفاعلة تقوم على اساس التمثيل البرامجي وتقاسم الادوار وتبادلها بين كتلة الاغلبية والاقلية. وذلك ينسجم مع ضرورة ابداء فهم اكبر بان البرلمان لا ينبغي ان يكون ممثل لأغلبية فئات الشعب ديمغرافيا وانما بالضرورة ان يكون ممثلا لتطلعاتهم وطموحاتهم وآلامهم وامالهم وافكارهم وبرامجهم.
بالقانون السابق سمحت القائمة الوطنية لأبناء البادية ان يكسروا جزئيّاً طوق دوائره المغلقة ويشاركوا في القوائم الوطنية كمرشحين، لكن للأسف بعد إلغاء مشروع قانون الانتخاب الذي هو الآن لدى مجلس النواب للقوائم الوطنية التي شكلت تجرية كان ينبغي تطويرها، عادت دوائر البدو لتغلق بشكل كامل على ابنائها.
والى ان يتم الوصول الى قانون انتخاب يتطابق مع الدستور، وقانون انتخاب تقدمي بكل المعايير يؤسس لتمثيل برامجي ويشكل رافعة اصلاحية حقيقية تدفع للبرلمان بكتل مستقرة، فان من حق ابناء البادية ان يرفع عنهم حظر الترشح في الدوائر الاخرى سواء بقيت كوته ابناء البادية ام ذهبت.
وطالما ان الحديث عن الكوتا او نظام تخصيص المقاعد الذي لم يتم تعريفه بقانون الانتخاب، يعني ضمان الحد الأدنى من التمثيل لبعض الفئات في البرلمان، اذا لماذا يحرم البدو من الترشح للانتخابات في الدوائر الاخرى خارج اطار الكوتا، بخلاف الكوتات الاخرى.
ما نأمله ان يأخذ النواب عند مناقشتهم للقانون بهذا الامر، وان يسهم ممثلي البادية من النواب اسهاما حقيقا في الدفع به.