عن خطاب "الكراهية" الذي يداهمنا!
د. زيد نوايسة
28-09-2015 03:04 PM
كل المجاملات وتقبيل اللحى ومعزوفة السلام الاجتماعي والوحدة الوطنية والتلاحم والانصهار الوطني التي نتداولها في مجتمعنا وفي كل مناسباتنا لا تعدو كونها "مسكنات" اجتماعية طارئة ولا تلغي حقيقة أن مجتمعنا يسير بخطى متسارعة نحو الكراهية والحقد ورفض الأخر؛ أيا كان هذا الآخر سواء كان ينتمي لطائفة أو مذهب ديني مختلف، أو من مكون اجتماعي أو عرقي آخر أو قومية أخرى، وكل من ينكر هذه الحقيقة فهو يعيش في عالم آخر وربما زمن آخر ويصر على أن يدفن رأسه في الرمال!!
لا نحتاج لعبقرية أينشتاين أو نيوتن لنكتشف وبمجرد جولة سريعة في مواقع التواصل الاجتماعي وهي المؤشر الأهم في هذا الزمن؛ حجم الاحتقان والتحريض والتخندق ضد بعضنا البعض وضد الإنسان فينا. ولعل مشاركة أو تعليق بسيط على موقع الفيس بوك أو تغريدة ساخرة على تويتر أو مقطع تلفزيوني ساخر كفيل بأن يلغي تاريخاً من العيش المشترك والانتماء الواحد والذكريات وحتى الأحلام؛ بل صار من البديهي أن نقرر اللجوء للقضاء لمناقشة واقعة تاريخية يتجاوز عمرها ألف عام وإصدار البيانات والتهديد والوعيد وكأن الحياة والمستقبل يتوقف على مشاركة أو تعليق لا وزن ولا قيمة لها بل أن الاهتمام بها يعطيها مساحة واسعة من الانتشار تحرض الناس على السؤال؛ وكان من الممكن أن تنتهي على صفحة من نشرها!
هذا الخطاب الأسود المريض والذي ابتليت به أمتنا وساهم إعلام ما يسمى بالربيع العربي في انتشاره كالأوبئة والأمراض الخطيرة وتكاثر حتى نخر العظم ووصل إلى الجذور والى لا يمكن لنا أن نتوقع مآلاته ونهايته إذا لم يكن هناك موقف جاد ومسؤول وبقوة القانون لوقف هذا النزيف الذي ينذر بالأسوأ –لا قدر الله-، إذا لم يكن هناك وقفة عاقلة ومسؤولة تلجم أدعياء الفتنة والكراهية الذين يرتدون- زيفاً وكذباً- رداء الحرص على الأديان والأوطان، وهم يخفون ما يخفون من أهداف تخدم في المحصلة مشروع تفتيت الأمة ومجتمعاتها وإعادته إلى زمن البسوس وداحس والغبراء وربما إلى ما هو أسوء!
وإذا كانت الأمة قد مرت في تاريخها بمراحل سوداء قاتمة من الفتنة والضياع فإن أخطر ما في هذه المرحلة أن من يتصدى لنشر خطاب الكراهية بعض ممن يسمون النخب والمثقفين؛ تارة تحت شعار التحريض من الخطر الطائفي والمذهبي وتارة تحت الخطر الحزبي وتارة تحت الخطر العرقي؛ في صورة تضع مكون طائفي واحد أو عرقي أو قومي واحد في صراع مع الكون بكل مكوناته الدينية والعرقية والقومية؛ مستندين بذلك إلى فوضى الإفتاء التي انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي وأصبحت مهنة من لا مهنة له دون ضوابط أو قيود، وهي ذاتها التي تؤسس منطقياً لظهور تيارات متطرفة وإرهابية أول ما سترتد على المجتمعات التي حرضت على المكون الأخر!
ختاماً، وحتى لا "يتسيد" المشهد ذلك الخطاب الأسود ويشكل رافعة لكل انتهازي مريض وطامح لاعتلاء مكانة لا يستحقها في المجتمع وعلى أشلاء نسيجه الاجتماعي بغية الوصول إلى موقع سياسي واجتماعي؛ لا بد من تجريم الكراهية بكل صنوفها وتحت كل المبرارات، وتغليظ العقوبات ولعل من أوجب الواجبات إدراج كل من يحرض على الكراهية ضمن قانون مكافحة الإرهاب؛ وفي ذات الوقت يستدعي هذا الأمر تفعيل المواد الدستورية التي تعزز قيم المساواة والمواطنة، ولعل المسؤولية هنا مضاعفة على الإعلاميين الذين يؤمنون بدورهم الحقيقي ورجال الدين المتنورين لا المتحزبين ضمن تيارات تسعى لمصالحها أولا وقبل كل شيء، والتربويين الذين يحملون التربية كرسالة لا وظيفة، أننا جميعا وبكل مكوناتنا ومشاربنا الثقافية مدعوون للتأسيس لعقد اجتماعي وأخلاقي يجرم وينبذ دعاة الكراهية أياً كانوا ولمن انتموا!