أنا لا أكترث كثيراً «بروزنامات» الأرقام ...فقلبي هو الوكيل المعتمد للشهور والأيام...لا يعنيني إن كتب على التقويم تشرين أو حزيران او أيلول..فكل الأرقام مغلوطة عندي ، ما لم يدق قلبي على ساعة الفصول...
***
..عندما تغطى الشمس بغربالنا العتيق، ويسقط ريش اليمامات فجأة أثناء التحليق، عندما اشتم رائحة الوقت المبلول ...عندما أسمع وقت الغروب صفير السهول، فقط أدرك أننا في أيلول ..
عندما تتدحرج آخر الليل ورقة تدريب «الكتابة»، وبعض مسائل الكسور العشرية وأنصاف الحلول...أدرك فقط أننا في أيلول ..عندما يُنسى فنجان القهوة على الشرفة ، وتصفق الأشجار خلسة خلف شباك الغرفة ، أدرك فقط أننا في أيلول...عندما يصبح الليل طويلاً كقطار،كل ساعة عربة ،وفي كل عربة 60 مقعداً مشغولاً بالانتظار ، أدرك فقط أننا في أيلول...عندما ينام الأطفال باكراً في أول السهرة، عندما يتأرجح على الحبل مريول طفلة ، وتثور الأشياء المهملة على غفلة ، أدرك فقط أننا في أيلول ..عندما أحسّ بالرشفة الأخيرة من الصيف..و امسح الدمعة الأولى من الشتاء..أدرك أنني أقف على باب الغيمة التي تسافر على متنها الأشياء...
في أيلول تتكوم الجرائد الاسبوعية على مداخل البيوت المقفلة ،وتوضع فواتير الكهرباء واعلانات المطاعم بين شقوق الباب ، ترى لم كل هذا الحضور و أصحاب الدار في «غياب» ، في أيلول تبيت «بسكليتات «الأولاد في غرف الخزين ، وتنام الطائرات الورقية في مدارج الوقت الحزين ، في أيلول تحاول الياسمينة أن تخفي خُصل الشيب بالدالية ، تغفو ليلا على كتف البلكونة العالية ، و ما ان تهب زفرة ريح حتى تتساقط ثلجاً معطراً على الطرق الخالية...في أيلول ، يجري الرمان عملية قلب مفتوح ، يُخرج كل حَبّه وحُبّه للعصافير الجائعة ، ينزف عسلاً للدويريات الموجوعة بصوتها ،ويصبح جرس هداية للبلابل الضائعة ...
**
وفي أيلول ،نطفىء غرفة أمي باكراً...نترك ضوءاً خافتاً كي يؤرق اللصوص والذاكرة..لكننا نكتشف أن كل ما فينا مطفأ ،ولا شيء مضاء غير مسبحتها الذاكرة...
وجه أمي، يا «غرينتش» العمر المقسوم بين حزين وسعيد...وجه أمي يا توقيتي الوحيد..لا أيلول عندي هذا العام...فكل الفصول أيلول..وأنت بعيد...
الرأي