الذكرى الثالثة والخمسون للثورة اليمنية
د. فيصل الغويين
27-09-2015 10:04 PM
لم تكن الثورة التي قامت في اليمن في 26 أيلول عام 1962 للإطاحة بنظام الإمامة مفاجأة، بسبب حالة التخلف الشديد والعزلة التي فرضها الإمام احمد منذ توليه الإمامة عام 1948. وفي 19 أيلول 1962 توفي الإمام احمد وخلفه الإمام محمد البدر.
وفي السادس والعشرين من شهر أيلول 1962 قامت مجموعة من ضباط الجيش اليمني بقيادة اللواء عبد الله السلال بانقلاب، وخلعت الإمام البدر الذي لم يمضي على وراثته العرش سوى ثمانية أيام. وفور قيام الثورة أعلن مجلس القيادة إلغاء نظام الإمامة، وإقامة نظام جمهوري، والمساواة بين اليمنيين بإزالة التفرقة السلالية والمذهبية والقبلية، كما كانت الوجهة القومية واضحة في البيانات الأولى للثورة.
وكان الثوار واعين منذ مرحلة الإعداد للثورة بالأخطار الداخلية والخارجية التي يمكن أن تهدد عملهم، وقد جعل هذا من قضية الدعم الخارجي للثورة قضية أساسية منذ البداية، وقد حددت قيم وتوجهات الثوار أن تكون مصر هي المصدر الذي يتجهون إليه لطلب الدعم.
أعلن الأمير حسن عم الإمام المخلوع -والذي كان يشغل منصب مندوب اليمن في الأمم المتحدة- انه صاحب الحق الشرعي في وراثة منصب الإمامة، ثم غادر الولايات المتحدة الى السعودية، حيث انضم معظم أفراد أسرة حميد الدين الذين تمكنوا من الهرب، واتخذ الحسن من نجران المتاخمة للحدود الشمالية لليمن أول قاعدة للمقاومة الملكية. تكتلت الأنظمة العربية في تلك الفترة حسب شكل الأنظمة السياسية فيها؛ فاعترفت معظم الدول العربية ذات النظام الجمهوري بنظام السلال كمصر وسوريا والعراق والسودان وتونس والجزائر، في الوقت الذي عارضته السعودية والأردن والمغرب.
وكانت المملكة الأردنية الهاشمية قد أقامت علاقات دبلوماسية مع اليمن في 19 نيسان 1961، وقد وجد الأردن نفسه مضطراً الى تأييد الموقف السعودي لأسباب منها:
1- موقف مصر العدائي تجاه الأردن في تلك الفترة.
2- توافق السياسة الأردنية مع السياسة السعودية وخصوصا في الموقف من عبد الناصر. كان الاتحاد السوفييتي أول دولة تعترف بالنظام الجديد في 28 أيلول، ثم أعقب ذلك اعتراف مصر في 29 أيلول، وبحلول منتصف كانون الأول بلغ عدد الدول التي اعترفت بالنظام الجديد ما يربو على ثلاثين دولة، لم تكن بينها بريطانيا والولايات المتحدة والسعودية والأردن والمغرب. لكن الأوضاع المحيطة بالثورة خاصة بالنسبة الى جيرانها ما كانت لتساعد على أن تمضي في مسيرتها بهدوء، فقد كانت هناك ثلاث قوى تريد كل منها القضاء على الثورة، وهي: 1- الإمام البدر الذي أطاحت به الثورة. 2- السعودية التي رأت في ثورة اليمن انذاراً مبكراً لها، فضلاً عن أنها تمثل قاعدة ثورية قريبة يمكن أن تكون مصدراً للتأثير على الأوضاع الداخلية السعودية خاصة وأن هناك علاقة وثيقة بين النظام الجديد في اليمن والجمهورية العربية المتحدة. 3- بريطانيا التي كانت تنظر الى الثورة اليمنية على أنها مصدر خطر شديد على تواجدها ومصالحها في عدن والجنوب العربي. إستجاب عبد الناصر لطلب السلال طلب المساعدة العسكرية وبدأ بإرسال قوات عسكرية الى اليمن، وما أن علمت المخابرات السعودية بذلك حتى بدأت الرياض في حشد الرجال والمال والسلاح لمساعدة الإمام المخلوع. وبسبب تفجر الخلافات بين قيادات الثورة، بدأوا يواجهون المتاعب في السيطرة على عدد من القبائل التي أعلنت ولائها للبدر، إلا أن تزايد حجم المساعدات الخارجية للقبائل أدت الى قيام حرب أهلية، وهو أمر لم يدخل في تقديرات مصر عندما أعلنت مساندتها للثورة. مما اضطرها لإرسال المزيد من القوات الجديدة. وهكذا وضعت ثورة اليمن الأردن والسعودية في مواجهة مع عبد الناصر، وفي هذا الإطار أرسل الأردن بعثة عسكرية برئاسة الفريق حابس المجالي الى جدة، وأعلن البلدان عن تحالف عسكري بينهما ردا على اتفاقية مماثلة وقعت بين مصر ونظام السلال. انتقدت مصر الأردن والسعودية وأعلنت أنهما يعملان على جلب المرتزقة وتجنيدهم لدعم الملكية عن طريق مكاتب تجنيد تم فتحها في أوروبا، وأوضح الجمهوريون أن عملية إحضار المرتزقة تم بالاشتراك ما بين بريطانيا وإسرائيل، وتم نقلهم بطائرات أردنية من عمان الى الطائف، ثم الى الحدود السعودية اليمنية. وكان أكبر خطأ وقعت فيه القيادة العسكرية المصرية في هذا الوقت هو محاولتها السيطرة عسكرياً على كافة أنحاء اليمن، وهو أمر لم ينجح فيه أحد من قبل على مدى التاريخ الطويل لليمن، مما أدى الى إرسال المزيد من القوات المسلحة وصل عددها ما يقرب من سبعين ألف مقاتل عام 1965. وفي مؤتمر القمة العربي الأول في القاهرة عام 1964، عقد لقاء بين الملك حسين والرئيس عبد الله السلال، وهو اللقاء الذي كان له أثر كبير في تشجيع الأردن على الاعتراف بالجمهورية اليمنية في تموز 1964، وبعد هذا الاعتراف قبلت الأردن الدعوة الموجهة اليها للمشاركة بالاحتفالات اليمنية بمناسبة عيد الثورة في 26 أيلول 1964، وبعث الملك حسين برقية تهنئة للسلال بهذه المناسبة، مؤكداً استعداد الأردن لتقديم المساعدات الاقتصادية والثقافية لليمن. وفي حزيران 1965عرضت الحكومة الأردنية مشروعاً لحل الأزمة في اليمن ارتكز على مبدأين هما: 1- عدم الدخول في تفاصيل ادعاءات الأطراف المعنية وحججهم من حيث وزن ودرجة قوتهم، أو تمثيلهم داخل اليمن، أو مدى سيطرتهم من حيث المساحة على هذا الجزء من اليمن أو ذاك. 2- عدم الدخول في مناقشات فقهية حول الأوضاع القانونية المبنية على أسس تصعب مواجهتها منطقياً، مثل ادعاء الأطراف المعنية لقبولهم أو عدم قبولهم بالإمامة أو الجمهورية مثلاً، كشكل لنظام الحكم الذي تقترحه أية مصالحة موفقة لموضوع النزاع اليمني، الا أن الجانبين الملكي والجمهوري عبّرا عن رفضهما للمشروع الأردني. وفي آب 1965 قام الرئيس جمال عبد الناصر بزيارة الى جدة، واجتمع مع الملك فيصل، حيث انتهت مباحثاتهم بعقد اتفاقية جدة التي تضمنت ترك الشعب اليمني يقرر مصيره، ونظام الحكم الذي يرتضيه، وأكدت الاتفاقية على سحب القوات المصرية من اليمن مقابل إيقاف المساعدات السعودية للملكيين، ووقف الاشتباكات المسلحة بين الجانبين. وقد تم سحب معظم القوات المصرية من اليمن، ولم يبقى سوى عشرين ألف جندي عادوا بعد العدوان الإسرائيلي على مصر وسوريا والأردن عام 1967.