رسالة واشنطن الى عمان وصلت وعادت من حيث جاءت ..
ماهر ابو طير
25-05-2008 03:00 AM
طرد الاردن ، عددا من المبشرين للمسيحية ، وجاء قرار الطرد ، رغبة من الكنيسة الاردنية والعربية ، وليس تعصبا ضد الدين المسيحي ، اذ ان المسيحية في هذا الشرق تعيش رخاء واستقرارا طبيعيا ، وليست بحاجة الى من ينعشها او يدافع عنها.
ايضا ، لم يطرد الاردن ، الفرق التبشيرية ، الا لانها تجاوزت المبدأ الاهم ، فشرعية الدولة ، هاشمية ، وحين تكون الشرعية ، هاشمية ، تعود الى النبي صلى الله عليه وسلم ، فان المخاطرة بهذه الشرعية ، من اجل التبشير ، امر غير معقول ولا مقبول ، ايضا ، فقد يتسلل التبشيرالى اي بلد عربي او مسلم ، لكنه في الاردن ، تحديدا ، مرفوض ، فهذا بلد عربي مسلم ، شرعيته مستمدة من "آل البيت" فكيف يتوقع البعض ان يتم السماح بالتبشير تحت اسم حرية الاديان ، ومن سيدفع ويتحمل كلفة الاخلال بهذه الاسس التي تقوم عليها البلد ، والدولة ، واذا كانت القصة ، قصة حريات دينية ، فلماذا يستغل الامريكيون ، عنوان مكافحة الارهاب ، لمحاربة الاسلام في الولايات المتحدة ، وفي العالم ، سواء الاسلام الدعوي ، او اسلام الجمعيات الخيرية ، او الاسلام الاعلامي ، وغير ذلك ، قبل الاسلام الفصائلي والتنظيمي والعسكري.
المعلومات تشير الى ان الاردن عوتب خلال الاسابيع القليلة الماضية ، من قبل واشنطن ، على طرد الفرق التبشيرية ، التي كانت اصلا تقيم باقامات تحت مسميات اخرى ، وقال الامريكيون لمسؤولين اردنيين كبار انهم يشعرون باستياء جراء طرد المبشرين ، وان هؤلاء المبشرين لديهم اصدقاء في الكونغرس الامريكي ، ويدعمهم الرئيس الامريكي جورج بوش ، شخصيا ، وان طردهم سيؤثر على صورة الاردن ، ومصالحه في الكونغرس الامريكي ، وان التيار الديني - السياسي الذي يمثله الرئيس الامريكي غير مرتاح للخطوة التي اتخذها الاردن ، كونها تعارض حرية الاديان ، فقيل للامريكيين ان الامر غير مقبول في الاردن ، فالمسيحية الاردنية ، هي التي رفضت وهي التي اعترضت ، وهي التي لا تقبل هذه الممارسات باسمها واثارة المشاكل والنعرات ، التي نحن في غنى عنها ، في بلد يعيش فيه الناس بوئام ، وان شرعية النظام والدولة ، تتناقض تماما مع مبدأ التبشير بأي دين كان ، فجد الهاشميين ، هو من كانت على يديه رسالة الاسلام.
من اجل ذلك ، ابرقت عشرات الشخصيات في عمان ، في وقت سابق ، الى السفير الامريكي ديفيد هيل اعتراضا على هذه الفرق ، وتحسس واشنطن مما جرى لها ، ومن اجل ذلك ، ذهبت وفود الى السفارة الامريكية ، في وقت سابق ، لتقول للسفير الامريكي انهم كشخصيات اردنية مسيحية ، متدينة وغير متدينة ، لا تقبل بوجود هذه الفرق ، ولا تريدها على هذه الارض ، ومن اجل ذلك ، كان الموقف الاردني ، صحيحا ، وهو الموقف الذي كان مدروسا بعناية ، وفيه مصلحة البلد والدولة والناس ، بعيدا ، عن اي حسابات ضيقة ، وليس كل ما يريده الامريكيون ، يأخذنا الى الجنة ، فهناك خصوصيات محلية في البلد ، ولكل بلد ظروفه ، وقد رأينا من نفذ وصفات واشنطن ، بحذافيرها ، في باكستان وفي غير موقع ومكان ، فلم يحصد سوى الخراب ، حين تجاوز هؤلاء خصوصياتهم المحلية وظروف دولهم ، وما في دولهم من حسابات ومعادلات.
عمان الرسمية ، عوتبت على طرد المبشرين ، غير ان من عاتب عليه ان يفهم ان الاردن ليس بلدا عابرا للسبيل ، وليس مساحة مفتوحة ، لكل من هب ودب ، وانه في عيد استقلاله ، اليوم ، يحافظ على مصالحه وعلاقاته مع الاخرين ، مثلما يحافظ ايضا على معادلته الداخلية وخصوصياته ، دون السماح لاحد باستباحتها ، وهي الاستباحة التي يرفضها كل الناس ، مسلمين ومسيحيين ، لاننا وحدنا نعرف كيف نحن ، وكيف نعيش مع بعضنا.
رسالة واشنطن الى عمان ، وصلت ، غير انها كانت بلا "طابع" فعادت من حيث جاءت.
m.tair@addustour.com.jo