الاستقلال فـي الزمن الصعب
عبد الله ابورمان
25-05-2008 03:00 AM
الاحتفال بعيد استقلال الأردن، هذا العام، بالذات، يتجاوز، بالتأكيد، الجانب الاحتفالي المجرّد؛ خصوصا وأن الاستقلال، ضمن هذه الظروف الصعبة، لا يمكن أن يكون ذكرى فحسب؛ بمقدار ما هو عمليّة مستمرة، ونهج سياسي، يسعى لتكريس الاستقلال، وتجذيره، من خلال الحفاظ على المنجزات وتجاوز الأزمات الجديّة.
عندما أعلن استقلال الأردن، رسميّا، عام 1946، لم تنتهِ في ذلك التاريخ مسيرة الاستقلال، كما أنها لم تبدأ منذ ذلك الحين، وإنما سبقته على شكل نضالات وتضحيات جسام وانجازات مدنيّة، أفضت الى يوم الخامس والعشرين من أيّار؛ حيث تتوّجت، في ذلك اليوم الخالد، مسيرة الاستقلال بحدث مهم، وهو التحوّل من إمارة الى مملكة، مع إنهاء جزء رئيس من القيود الانتدابيّة، والتمكن من اتخاذ القرار الوطني بمرجعيّة وطنيّة.
لقد أضاف الأردنيّون في العقود التي تلت يوم إعلان الاستقلال، إنجازات تاريخيّة، أسهمت في تكريس مفهوم الاستقلال والانتقال به من الطابع الرمزي الى الواقع الفعلي؛ فجاء الدستور الأردني، بعد نحو خمس سنوات مفصلا مهما في مسيرة الاستقلال، ثم تلا ذلك، فورا، اتخاذ قرارات مفصليّة، مثل إنهاء المعاهدة الأردنيّة- البريطانيّة، ومن ثم تعريب قيادة الجيش.
في عقد الستينيات أخذت مسيرة الاستقلال طابعا مؤسساتيا، حيث بدأت المؤسسات الوطنيّة الكبرى بالظهور، لتمارس دورها الريادي في قيادة المجتمع نحو التنمية والإنتاج والصحّة والتمدّن والتعليم.. ثمّ استمرّت المسيرة، مع كل العقود اللاحقة، وبأشكال متعدّدة، أفضت الى تحقيق مفهوم الاستقلال، وتوسيع خيارات الدولة الاستراتيجيّة، وفي كافة المجالات.
ومع تولي جلالة الملك عبدالله الثاني ولايته الدستوريّة، انتقلت مسيرة الاستقلال الى مرحلة أخرى، أكثر حيويّة، مستجيبة لضرورة استراتيجيّة ملحّة، لتتسم بالطابع الإصلاحي الشامل. وقد أراد الملك لهذه المرحلة أن تبنى على ما تمّ إنجازه، مع تأهيل الدولة لمجابهة التحدّيات القادمة، بما يضمن تكريس الاستقلال كواقع، وكنهج وعنوان.. بكل ما يتعلق بذلك من سياسات وبرامج تكفل إطلاق مسيرة التنمية الشاملة وتحقيق الحدّ الأعلى من العدالة في توزيع المكتسبات، وتجاوز معضلة المركز والأطراف، وتوسيع قاعدة المشاركة، وإعطاء الدور الريادي لقطاعي الشباب والمرأة، وإنجاز مظلة الأمان الاجتماعي، والحفاظ على دور الطبقة الوسطى، وبالتالي: تمتين الجبهة الداخلية، وغير ذلك الكثير من البرامج والسياسات الإصلاحيّة، وفي كافة المجالات. وبالفعل، استطاع الأردن، بفضل هذه الجهود والبرامج، أن يتجاوز سبع سنوات عجاف، أعقبت تحوّلات مفصليّة، على الصعيدين الإقليمي والدولي، بات معها مفهوم الاستقلال مهدّدا أو موضوع سؤال للكيانات الكبرى والمقتدرة.
عيد الاستقلال هذا العام، يأتي مع تزايد الضغوط، وتنامي حدّة التحدّيات والاستحقاقات الكبرى. وها هو الأردن، بقيادته ومؤسساته الراسخة، يجدّد تمسكه بجوهر مفهوم الاستقلال ومعانيه، ويصرّ أكثر على تجاوز المراحل الصعبة، محافظا على هويّته ومنجزاته واستقراره، وكافة معاني السيادة الوطنيّة.
قبل نحو شهرين، تحدّث جلالة الملك في عيد الكرامة، محدّدا معنى جوهريّا للنصر، الأول، الذي حققه الأردنيّون في تاريخ الصراع العربي- الإسرائيلي، عندما أكد جلالته أن معركة الدفاع عن الأردن ما زالت قائمة ومستمرة، وقادرون على تحقيق الانتصارات المتتالية، وصون المصالح العليا للوطن. وبالأساس، فإن الأردن قادر على الدفاع عن خياراته الاستراتيجيّة، وأن لا يكون هناك أي حلّ على حسابه، على صعيدي: الثوابت والمصالح العليا.
واليوم، يجدّد الأردنيون عهدهم وولاءهم، لقيادتهم التاريخيّة، وهم يؤكدون، على الدوام، تمسّكهم بجوهر ومعنى الاستقلال، وأنهم سيكونون عونا وسندا للقائد، في وقفته الشجاعة، مدركين حجم الضغوطات وخطورة التحدّيات، مهما كلف الثمن، ومهما بلغت ضراوة الاستحقاقات.
abdromman@yahoo.com