أيُّ عيدٍ أيها المأتمُ السوريّ
24-09-2015 02:16 PM
"نَحْنُ محكومونَ بالأمل، وما يحدثُ اليوم ليسَ نهاية التاريخ". هذا من السوريّ سعد الله ونوّس. عن كلِّ شعبٍ، وكلِّ أرضٍ، وكلِّ نكبة، وكلِّ تاريخ.
البلادُ مُهجَّرةٌ. الموتُ يستوطنُ السماءَ والبيوتَ والمنافي. يتناحرُ الطغاةُ والطغاةُ على ما تبقّى من الشجرِ والحجرِ والألم. تسهرُ الأكاذيبُ والخرافاتُ معاً خلفَ السواتر الترابيّة، وفي الدبابات، وفي نومِ أطفال الغوطة.
كانت هناكَ مدرسةٌ، قصفها الديكتاتورُ بصاروخ سكود. تحوّلت إلى ثكنةٍ لتلاميذ ابن تيمية. احترقت كتب الأمة الخالدة. وفتحَ الطلبةُ الدرسَ الأوّل من "مجموع الفتاوى". هناك كانت نافذةٌ، تطلُّ منها فتاةٌ شامية، ترمي رسالةً ملفوفةً بحجرٍ لفتاها. أغلقتها الأمُّ. لم تعد الطيورُ تنقرها في الصباح. هربت من الرصاص الطائش. الآن يفتحها القنّاصُ. أيُّ مجرمٍ ملثّمٍ. لا تهمُّ الملامحُ والهوية. حين يرديه قنّاصٌ آخر، سيكونُ واحداً من اثنين: قاتلٍ من قطعان "الممانعة والمُكاذبة" أو همجيٍّ من أوساخِ التاريخ.
كانَ هناك شارعٌ في درعا، كان هناك متجرُ حلوى. إذا كُنتَ سوريّاً لا تتظاهر في الشارع. لا تتذمّرْ من موظّفٍ من عائلةِ الرئيس. لا تدع طفلكَ يُخربشُ على جدار مدرسة. لا تقرأ الا صحيفة "تشرين". لا تُصدِّق أن في العالم صحافةً أخرى، ولا ستالايت، ولا انترنت وهواتف ذكيّة. ليسَ من حقِّك أنْ تستخدمَ المناديلَ الورقيّةَ إلا للدموع، ولن تحصلُ عليها إلا إذا وقفتَ في طابور الحكومة. لن تشتري محراثاً، إلا برخصةٍ من الحزب العظيم. لا تُزعج الرئيسَ، فهو مشغولٌ بتحريرِ الجولان وفلسطين. ينتظرُ الوقتَ المناسبَ ليردَّ إهانات اسرائيل.
حانت اللحظةُ المناسبة، حانت في عزّ الربيع، فكان الردُّ في درعا وحمص وحلب ودوما والغوطة. هذا درسٌ قاسٍ وردعٌ شديدٌ لكِ يا اسرائيل. أنظري كيفَ أعادَ القائدُ "سوريّة الأسد" إلى الرماد. أنظري كيفَ أعادَ الأسدُ البلادَ إلى الغابة، واستدعى كلَّ الوحوشِ ليأكلوا من لحم السوريين.
أيُّ عيدٍ في سورية اليوم. القصّابون في إجازة. المجرمون يعملون بدوامٍ كاملٍ منذ 2011. الأساطيرُ تُرتبُ أكفانَ الأطفالِ، لا ثيابَ العيد. هذه حلوى كلها دودٌ. هذا حذاءْ حمزة الخطيب من آخر عيد. هذه حقيبةُ هالة أو أحلام أو فاطمة. تلك صورةُ ايلان كردي على شاطئ غريب. هذا سياجُ مهجَّرين في أوروبا.
أيُّ عيدٍ أيُّها المأتمُ السوريُّ. من يزورُ المقابرَ اليوم. لا وردَ يكفي لكلّ قبر. لا صمتَ يُطيقُ كلَّ هذه الفضيحة..