الأردنيون البالغون من العمر ثلاثين سنة فأكثر يذكرون ان عاصمتهم جمعت الفرقاء اليمنيين بعد حرب أهلية طاحنة ، وفي عمان أعلنت الوحدة اليمنية ، بالأمس أعلنت في قطر مصالحة لبنانية وانتخاب رئيس جديد ، وهو موقف تاريخي قطفته قطر ، صحتين طبعا ، بالأمس قارنت في مقالي بالدستور بين قطر ومصر في تقرير الحريات الصحفية ، الذي أصدرته لجنة الحريات في اتحاد الصحفيين العرب ، وتبين أن قطر في مقدمة من يرعى هذه الحريات ، فيما ملف مصر مليء بالمؤاخذات الكبرى ، مصر خسرت موقعا عربيا وإسلاميا رفيعا ، عمرو موسى أبلى دزينة أحذية وهو (رايح جاي) بين القاهرة وبيروت ، ولم يفلح إلا بتأكيد حقيقة يرفض تصديقها: الجامعة العربية ماتت ، والقاهرة كما عمان ، لم تعودا عاصمتين محوريتين ، مصر كانت أم الدنيا وعمان (كانت أيضا) عاصمة الوفاق والاتفاق، كنا ولم نزل مختلفين مع اجتهادات النخب السياسية في عمان ، وفي الاجتماعات التي كانت تضمنا بين حين وآخر مع كبار مسؤولي الحكومة كصحفيين وكتاب وإعلاميين ، كنا نشعر بالأسى ونحن نسمع انتقاد هؤلاء المرير لحماس وإيران ، وسوريا أحيانا ، وقطع الخطوط مع هذا الفريق ، لأن السياسة ليس فيها ثوابت ، وهي لعبة مصالح لا أكثر ، ولأن هذه الثلاثية تشكل أوراقا رابحة في لعبة الشد اليومي في دنيا السياسة ، كان علينا ، مثلا ، أن لا ننحاز بالكامل لطرف معين في أزمة لبنان ، لأننا نصبح جزءا من الأزمة لا الحل .
في الدول الكبيرة والمهمة ، هناك خط فاصل بين الملفات الأمنية والسياسية ، لنا كدولة ملاحظات على حزب الله وحماس أمنيا ، ولكنهما لاعبان أساسيان في حلبة السياسة الدولية ناهيك عن الإقليمية ، فكيف ندير ظهورنا لهما ، مع أن خصومهما الأساسيين يفتحان قنوات حوار سرية معهما ، مباشرة أو غير مباشرة لا يهم ، وسوريا تفاوض إسرائيل برعاية تركية ، وأمريكا على وشك التوصل لحل مع إيران بشأن الملف النووي ، اليوم السياسة الأردنية في أزمة: إسرائيل "مطنشة" الأردن على الآخر ، رغم معاهدة السلام بين الطرفين ، وعلاقتنا مع سورية في أزمة ، وأمريكا تضغط علينا ومساعداتها بالقطارة ، وبوش يمر من باب الأردن ولا يدقه ، ودول الخليج تقول لنا في أزمتنا الطاحنة: دبروا حالكم ، والعراق والمالكي اتخذا موقفا أقرب ما يكون إلى العدائي من عمان ، ثم يخرج علينا من يقول لنا أن علينا أن نهتم بملفاتنا المحلية والجبهة الداخلية ، أين كان هؤلاء ولم لم يضربوا على يد من عبث بهذه الملفات ، ابتداء من كارثة سحب الجنسيات ، التي ثبت أنها ليست سياسة دولة بقدر ما هي هوى دفين ، وصولا إلى أصحاب دعوات الحرب الأهلية الباردة الذين يذبحون اللحمة الوطنية بسكاكين الفتنة ولعبة الأصول والمنابت وتقسيم الأسرة الواحدة إلى شمال وجنوب وشرقي وغربي ووحداتي وفيصلاوي ، وكوهيني وأردني قح؟،
الوحدة الوطنية ليست أغنية تتغزل بغزة والنقب ، والسلط ونابلس والكرك ، ، فأبناء القدس أهم من أسوارها ، ودعاة التفريق بين الأخوة على اساس الملوخية والمنسف لا يفقهون في لعبة التاريخ، دعونا نتكلم بصراحة: نحن في أزمة ، مع أنفسنا ومع الآخرين ، ولا بد من وقفة مراجعة ، حتى ملفاتنا الاقتصادية والاجتماعية مليئة بالأخطاء والاضطرابات والغموض غير الإيجابي ، وتحتاج إلى ما هو أبعد من التطمينات، كي يحترمنا الكل ونؤثر في الكل ، على الجميع أن يعرف أن عمان ليست في جيب أحد ، وأن ما يحكم خطواتها مصالحها لا ما يرضي الآخرين ، السياسة احتراف وليست هواية.(الدستور)