في زمن ما كانت مقالة واحدة تقيم الدنيا ولا تقعدها، حتى يتم تغيير وزارة أو قرار يرى الناس أنه جائر، حدث ذلك مراراً أو بالتحديد في فرنسا ساهمت مقالة طويلة بعنوان المَفْصلة لألبير كانو في الغاء عقوبة الاعدام، وهذا ما حدث الى حين كتبه هو الآخر مطالبا الدولة بجعل عقوبة الاعدام خارج القانون.
أما سارتر فقد تسببت مقالة نشرها حول احتلال فرنسا للجزائر في خلق ردود أفعال واسعة، وطلقت عليه يومئذ ألقاب أقل ما يمكن أن توصف به أنها قبيحة وَمُشينة، وفي مصر كانت اكثر مقالات العقاد انتشاراً تلك التي لم يكتبها، والحكاية هي ان الرجل الذي دافع عن الدستور في البرلمان و اعتقل ، ترك رئيس تحرير الصحيفة التي كان يكتب فيها العمود فارغا الا من توقيع العقاد.. وفي صباح اليوم التالي كان باعة الصحيفة في الشوارع ينادون قائلين.. اقرأ ما كتبه العقاد اليوم.. رغم أن الخير المخصص لمقالته كان مجرد بياضٍ.
فما الذي تغير؟ هل هو الاحساس بجدوى الكتابة أم أن لها منافسات دفعتها الى الهامش؟ فاليوم قد لا يغير طنّ من الورق شيئا وما ان تشرق شمس اليوم التالي حتى يكون النّسيان قد شمل كل ما كُتب قبل يوم واحد. لكن لماذا نذهب بعيداً، وهناك أمور عديدة غير الكتابة فقدت جدواها وجدّيتها، لأن الثقافة ككل المجالات الأخرى تعرضت الى تضخم وبالتالي الى التَّعْويم، وأصبح الاستهلاك بمختلف أنماطه هو السّائد بمنظومه قّيمه وارتهانه للحاجة التي ما ان يُلبّيها حتى يسدل السّتار بانتظار حاجة أخرى!
والمفارقة هي أن عدد من يقرأون ويكتبون في العالم العربي اضعاف عدد هؤلاء الذين كان يكتب لهم العقاد وطه حسين وسلامة موسى، هناك من يرون بأن السّبب الذي يبطل العجب حول هذه الظاهرة هو أزمة الثقة التي تفاقمت في العقود الماضية بين القارى وما يُكَتب.
لأنه ما من قسم كقسم أبو قراط يلزم الكتاب بقول الحقيقة، وفي زمن تعرض فيه البنادق للايجار كما يقول باتريك سيل .. تصبح الأقلام أيضا معروضة في واجهة مُجاوِرَة!
الدستور