قانون الانتخاب .. بين تصورات السرايا وتفسيرات القرايا
د. صبري ربيحات
20-09-2015 11:23 PM
هل ستاخذ القرايا بما عملت على اعداده السرايا؟ ربما هو السؤال الاهم الذي يقلق الاحزاب ويخيف بعض دعاة الاصلاح والناشطين....فلماذا هذا الخوف؟ ..وهل من وسيلة او طريقة تساعد في جعل القانون الجديد اداة للتغير بدلا من ان يصبح اطارا تنتظم داخله القوى التقليدية وتحرم البلاد والعباد فرصة التحول نحو انتخابات تسودها البرامج ويختار فيها النواب على اسس القدرة والكفاءة بدلا من القرابة والصلات...
في الايام التي مضت انشغلت النخب وستنشغل لبقية العام وربما اكثر بالحديث عن الانتخاب وقانونه الجديد..وسيمع الناس اصوات اعلىلالحكومة باعتبارها احدثت اختراقا في توقعات المراقبين وقدمت مشروعا جديدا استبعدت منه الدوائر الوهمية ودمجت فيه الدوائر الفرعية واعطت للناخب اصواتا بعدد المقاعد في الدائرة ومكنت الجماعات المتنافسة ان تشارك بمقدار حصتها المئوية من جمهور الناخبين.
على الجانب الاخر يخشى المعارضون للقانون من انيسهم القانون الجديد في اعادة انتاج نفس القوى العشائرية والجهوية واصحاب الاموال من خلال تحالفات يقيمونها لتكييف اوضاعهم مع القانون ويبدي البعض اعتراضه على استبعاد فكرة القوائم على مستوى الوطن واستمرار الكوتات اضافة الى استمرار النظر الى البداوة كفئة اجتماعية وليس كنمط حياة تجاوزها الكثير من ابناء العشائر منذ زمن بعيد دون ان يتنبه لها القانون وملاحظات كثيرة اخرى.
وبصرف النظر عن الجدل الدائر فما من شك ان مشروع القانون خطوة متقدمة على كل القوانين المؤقتة والدائمة التي جرى تمريرها منذ عام 1993 فهو المحاولة الاولى في احداث تحول في الاسس التي يعتمدها الناخبين عند اختيار من سيمثلهم واسس لانتخابات يتتنافس فيها البرامج والاتجاهات اكثر من الاشخاص والعشائر اضافة الى انه ربما القانون الاول الذي يعترف بان المحافظة دائرة وليس حارات تتصارع على من سيفوز بالمقعد...وثانيها ان القانون تصالحي من حيث انه يعطي لكل قائمة من القوائم وزنا مناسبا لنسبة الاصوات التي تحصل عليها من المجموع كما ان في المشروع دعوة الى ان يكون التنافس برامجيا وليس عشائريا من حيث تقديم القوائم لبرامج باولويات يناقشها الناخبون ويتخذون قراراتهم في ضوء قناعاتهم المستندة الى التقييم الموضوعي للبرامج.
وياتي هذا القانون بديلا لعدد من القوانين التي جرى تطبيقها عبر اكثر من عقدين اسهمت جميعها في تفتيت المجتمعات المحلية وتوريثها نزاعات وخلافات اضافة الى العبث التي كان يجري في تطبيقها مما ادى الى توليد مجالس نيابية من شخصيات لم يكن لغالبيتها تجربة سابقة في العمل العام او اهتمام يذكر في الحياة الديمقراطية.
خلال الفترة التي اعقبت معاهدة السلام اقبل على الترشح للمقاعد المتاحة اشخاص من خلفيات اجتماعية واكاديمية وعسكرية واصحاب اعمال ممن اعتقدوا بان المقعد النيابي سييسر لهم ادارة اعمال الانشاءات والتعهدات والمكاتب الخاصة والتجارة بطريقة افضل من خلال اشتباكهم المباشر مع الحكومة عند كل مفصل تتعطل فيها مصالحهم واعمالهم ..والاستعداد لتغيير المواقف المفتعلة مقابل التسهيلات او الامتيازات التي قد يتلقونها.
العشرات من الاشخاص ممن اغرتهم صور جلسات افتتاح الدورات البرلمانية المتلفزة والسيارات التي تحمل لوحاتها ارقاما صغيرة ملونة ودعوات الاعلام للنواب لاعطاء اراء في القضايا التي يعرفون عنها او لم يسمعوا بها وامتيازات السفر والترحال ودعوات المؤتمرات والندوات والاعياد الوطنية والدينية والقومية .
يعض الذين تدافعوا للترشح يحملون فكرة او بضعة افكار عن العمل المستقبلي الذي علموا ان لا ضرورة للالتزام بقواعدة فقد تمضي دورة كاملة دون الحاجة لان تحضر او تشارك في الجلسات التي تنعقد طالما انك تثبث حضورك في مطلع عدد منها وتحضر في نهايات بعضها الاخر.
في الارياف والبادية وبعض المراكز الحضرية اليوم لا احد يراجع البرامج الانتخابية او السيرة الذاتية للمرشحين ولا يوجد صحفي يدقق في تاريخ المرشحين وشخصياتهم واستقامتهم ونزاهتهم وقدرتهم على القراءة والكتابة او مدى اهتمامهم في الشأن العام...الامر الذي يدركه الشباب الذين تقاطروا على الترشح واستطاعوا ان يستغلوا الاوضاع البائسة للناخبين وادارة حملات تقوم على توزيع الاموال وشراء الاصوات والوعد بالمنفعة وتقديم الهدايا على مرآى ومسمع الكثير من الاشخاص وغير بعيدين عن مجال رقابة الاجهزة الرقابية التي تعرف كل شاردة وواردة.
للكثير من الناخبين اليوم يعتبر المرشح المثالي قريب او صديق يؤدي الواجبات الاجتماعية فيحضر مراسم الدفن ويزور بيوت العزاء ويحضر مناسبات الاعراس والنجاح ويظهر على الشاشة الصغيرة في الاحتفالات الوطنية وهو يقول كلمتين او ثلاث واحيانا يجري توجيهه الى حضور صلاة الجمعة في المسجد الذي يجري منه البث الحي لوقائع صلاة الجمعة كي يسلط المصورون كاميراتهم عليه اثناء الركوع والسجود والخشوع....
البرامج والمنشورات والبيانات لا تساوي ثمن الورق الذي كتبت عليه فتجربة الناس عبر السنوات ان لا مساحة للبرامج في برلماناتنا فالنواب يتلقون مشاريع قوانين صاغتها الحكومة ووظيفتهم لا تتعدى ردها او اقرارها او تعديل طفيف لا يتجاوز مقاصد المشرع"الحكومة" والعشائر والقبائل والبلدات تعيد هيكلة نفسها قبل كل انتخابات فتجري المصالحات وتكثر الزيارات والدعوات وتحل الخلافات وتتاجج مشاعر الاعتزاز والاعتداد بالعشيرة وتعداد فضائلها على البلاد والعباد.
مشروع القانون الجديد اداة للتغيير في التفكير وفي الاجراءات يستلزم توعية واعداد يتجاوز الممارسات الراهنة حتى ىاليوم لا نعرف ما الذي سيجري على المشروع فالحكومة قالت انها تضعه في عهدة المجلس صاحب الولاية وحتى ذلك الحين يفعل الله ما يشاء. الشيء المؤكد ان القانون سينتهي الى الصيغة التي يجري توجيه المجالس لتبنيها ...وان واقع المجلس النيابي والاصلاح وتعامل الحكومة مع كل القضايا قرارات تحكها اجندة السرايا وليس اصوات القرايا.