البعض من أصدقائي لا يروق لهم أن أتحدث عن روسيا بشكل متكرر من زاوية حبهم لأمريكا رغم حرصي على أهمية التوازن في الخطاب الخاص بهما ولقربي من الميدان الروسي من زاوية أخرى في المقابل، ومع هذا وذاك يوجد ما يلفت الانتباه على صعيد السياستين الخارجية والداخلية لروسيا وما يمكن التطرق إليه بعمق وعن دراية، فمن يتابع سياسية الفيدرالية الروسية في شرقنا العربي الأوسطي والأوسع من ذلك وعلى خارطة العالم الان سيلاحظ بسهولة التمسك بأوراق القانون الدولي ومجلس الأمن والأمم المتحدة وحقوق الإنسان والمحكمة الجنائية الدولية والديمقراطية وصناديق الاقتراع وباحترام سيادة كل دولة وخيارها السياسي والاقتصادي وبنبذ الإرهاب أينما كان ومحاربته ومثلي هنا أوكرانيا وإقليم الكريم/القرم وإيران ومشروعها النووي السلمي وقبل ذلك العراق وإمكانية تجنيبه كارثة اجتياح الناتو وإيران بواسطة جهود المرحوم يفغيني بريماكوف زعيم الدبلوماسية الروسية وصديق العرب آنذاك قبل عام 2003 له من الخارج والحرب الأهلية وانتشار الإرهاب في داخله لاحقاً بعد حل جيشه، وانتقاد إعدام رئيسه وزعيمه المنتخب الشهيد صدام حسين، ومواصلة انتقاد واستغراب ما جرى في ليبيا من هدم لنظام حافظ على الاستقرار (42 عاماً) وإعدام لرئيسه معمر القذافي بطريقة غير حضارية، وعدم الانسجام مع محاولة الغرب وأمريكا هدم نظام الأسد من الخارج والعمل على تشجيع وصول السلاح والإرهاب إلى داخل سورية، والتفريق بين دعم النظام السوري بالسلاح لمحاربة إرهاب عصابات داعش المجرمة وبين الاشتراط على نظام دمشق عدم المساس بشعبه ولو عن غير قصد واستخدام الفيتو بالتعاون مع الصين لضمان استقرار الدولة السورية، وفي الشأن اليمني انتقاد أيضاً لحملة غزوه من الخارج عشوائياً ودعوة روسية للحوار بين السلطة والمعارضة، والحرص على التعاون الدولي والابتعاد عن الأحادية القطبية ورفضها، ولمنع انتشار أسلحة الدمار الشامل والاستفزازات الغربية للشرق.
وتواصل روسيا في سياستها الخارجية التقرب من كافة دول العالم على قدم المساواة وتبدي ارتياحاً للشرق غير المنحاز للقطبية الواحدة، وتقترب اكثر من العرب وهو الملاحظ الآن من وسط علاقتها مع الأردن بقيادة سيدنا جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين والتعاون في مجال الطاقة النووية للأغراض السلمية وغيرها، واقتراب تحت المجهر من العربية السعودية في هذا المجال حيث اشترت السعودية وحدها 16 محطة نووية، وسبق للعاهل السعودي الملك عبدالله بن عبدالعزيز أن زار موسكو عام 2003 عندما كان ولياً للعهد وفتح أبواب التعاون مع الخليج لروسيا على مصراعيه، وتكررت الزيارة الملكية السعودية في فبراير الماضي من هذا العام وتقليد للرئيس بوتين وشاح الملك عبدالعزيز أعلى أوسمه المملكة، وزيارة للرئيس بوتين لدولة الإمارات العربية المتحدة عام 2014 وتسلمه وسام زايد ارفع أوسمة الإمارات، وزيارة هامة في الوقت الأخير لجلالة الملك عبدالله الثاني وللرئيس عبدالفتاح السيسي وللشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي، وعلاقات متميزة بين روسيا ومصر وزيارات رئاسية هامة متبادلة وتشجيع للاستثمار الروسي في منطقة قناة السويس وفي غير مجال اقتصادي حيوي.
وعلى صعيد السياسة الداخلية لروسيا ألحظ حرصاً على الاستقرار من خلال تمسك الدولة بشخص الرئيس بوتين صاحب الكاريزما القوية والعملية والمحبوبة داخلياً وخارجياً، وفي المقابل ينتقد ناس روسيا في بيوتهم همساً رئيس الوزراء ميدفيدف لعدم اقترابه اكثر من حياتهم اليومية والصحافة هناك تكتب عن قضاياها كثيرة وتترك غيرها ورغم أن المدح هو المفضل إعلامياً وممارسة الدعاية لصالح الكرملين على حساب مسائل الشارع في صحف مثل (البرافدا)، و(الازفيستيا)، ووسائل فضائية مثل (I) و(RTR) و(NTB)، لكن صحفاً غيرها مثل (الحقائق والدلائل) و(سري جداً) وقناة (روسيا اليوم الفضائية) وغيرهم تمارس النقد والمكاشفة بالحقائق، وأعلى سقوف النقد يمارسه (الانترنت) رغم بطئه خارج العاصمة موسكو والمدن الكبيرة ومنها المصنفة بالدرجة الثالثة، ويقابل هذه المعادلة قول يحضرني هنا لرئيس تحرير جريدة (كمونه Kamyna) اليومية السيد فيكتور رودينكا في مدينة فاروينج جنوب موسكو العاصمة (800 كم) بأن النقد لم يعد نافعاً لروسيا وبأن المدح والكتابة عن الإنجاز الموجود هو المطلوب وهو مفهوم صحفي مستغرب رغم واقعيته، فلولا النقد ومنه الصحفي الإعلامي حسب وجهة نظري الصحفية والإعلامية لما كان البناء في كل العالم، وهنا في روسيا داخلياً يوجد إنجاز ضخم وهو عمل إيجابي مثل تطور شبكات (الميترو) تحت الأرض، وتطور لشبكات القطارات فوق الأرض ومنها (ساب سان) التي اختصرت المسافة بين مدينتي موسكو وسانت بيتر بورغ من ثمانية ساعات إلى أربعة ساعات، والتوسع في المطارات ومحطات القطارات والطرق خاصة الخارجية منها بين المدن والمحال التجارية العملاقة متعددة الإنتاج، والإعمار السكني المتواصل الذي يأخذ بعين الاعتبار الفرصة السكانية المتزايدة طردياً لروسيا والبالغة حالياً حوالي (150 مليون نسمة) على مساحة جغرافية تفوق الـ(17 مليون كم2)، وقواعد السير منضبطة، وما لا تنتقده الصحافة ووسائل الإعلام في روسيا هو غياب اللامركزية الإدارية وسيطرة المركزية فقط التي تحصد دخول المدن باتجاه مواصلة بناء العاصمة وسيطرة كاملة على تنظيمات الشباب المتطرفة (Skinheads) وغياب تعبيد شوارع المدن من الدرجة الثالثة وفي البلدات والقرى النائية وبنسبة مئوية تفوق الـ(60%) في كل منطقة، وهذا الحال موجود للأسف من قبل التاريخ وحتى الآن واكتب عنه هنا بنوايا طيبة من أجل إصلاحه نيابة عن الصحافة الروسية التي ترفض الاقتراب منها وكذلك وسائل الإعلام، وتدني مستوى الصناعات المحلية الوطنية واجتياح المنتوجات الصينية للأسواق وارتفاع الأسعار غير المبرر وربط التضخم المالي بسعر النفط
وبالعقوبات الاقتصادية الغربية على روسيا بسبب الموقف غير المنسجم مع الغرب المتحد سياسياً مع أمريكا فقط وعدم ربطه بتردي الإنتاج الوطني وتراجع عمولة الأيدي العاملة (الرواتب والتقاعد) واستمرار الضرائب وغياب الرقابة الداخلية على العمل والإنتاج نسبة وتناسب، وغياب حضور مستوى الخدمات في بعض الفنادق ومحطات القطارات والبنزين، وفي المقابل أيضاً فقدان السيطرة على انحرافات الشارع حيث الفقراء والعاطلين عن العمل ليلاً، وهذه المشكلة ليست روسية فقط وإنما أوروبية أيضاً وقد تكون عالمية هذا إلى جانب انحراف في سلوك الموظف الحكومي ألحظه هناك تجاه جمع ثروة على حساب العمل العام والأمثلة كثيرة هنا لا أفضل ذكرها كما هي، وأخيراً أقول هنا وبلا تردد روسيا قوية خارجياً بالضرورة يجب أن تكون كذلك داخلياً وتحديداً وسط حلبة الاقتصاد ودولاب المصانع الوطنية، ونعم لسياحة عربية نشطة إلى داخل روسيا وبالعكس، وحيا الله العلاقات العربية ومنها الأردنية الروسية في كافة المجالات وشكراً.