الأردن والأقصى .. رسالة إلى حكومتنا
م. عامر الحباشنة
20-09-2015 04:05 AM
أود التوضيح مسبقاً أن هذا المقال هو بالحد الأدنى من المقبول لدی أكثر الأردنيين اعتدالا حسب تصنيفـات اليوم.
لم يكن الأقصى كمسجد أو كجزء من جغرافيا فلسطين يوما ما بعيداً عن وجدان الأردنيين من فجر التاريخ، وهذا الرابط بين جغرافيا شرق النهر وغربه كان قدرا وحتمية فرضها التاريخ المشترك والمتداخل جبرا لا خيارا.
فمحطات التاريخ توحي بهذا الربط منذ مر نبوخذ نصر عبر الأردن نحو فلسطين حتى آخر اطلاقة مدفعية في الكرامه مروراً بكورش الفارسي وإعادته ألثار من بابل.. ..و ميشع مؤاب (الكرك ) الذي تمرد علی سطوة الأمر الواقع لليهود بمعركة وادي ارنون (الموجب) ليدحر مملكة التلمود وكذلك بمؤته بوابة الفتح وبداية الخطی نحو بيت المقدس وارناط الكرك حامي مملكة القدس الفرنجيه عبر بوابة مؤاب وصلاح الدين الذي أسقط البوابة المؤابيه الافرنحيه ليتمكن من دخول القدس.
وفي الحاضر لم يستطع هربرت صموئيل تثبيت انتدابه علی فلسطين إلا بضمان هدوء جغرافيا شرق الأردن ..وحتی بدء تكوين الدول العربيه بشكلها الحديث انعكاسا لتوافقات سايكس بيكو لم تستطع الدولة الأردنية بمرحلة الإمارة والمملكة لاحقاً الانفكاك من الترابط مع مصير ومآلات الحدث الفلسطيني المتوج بالنكبه 1948 ..وهذا الترابط قادني إلی تعريف ذكرته سابقاً عندما سئلت عن الأردن الوطن. ."فالاردن وطن تشكل من بقايا حلم مفدور ونتاج جرح مفتوح" ليتوحد المصير جبرا لا خيارا. . وعلی ذلك صارت الأحداث التي توالت منذ رفض الأردنيين ترتيبات الانتداب البريطاني بالتهيئة لدولة إسرائيل و ثورة 36 وجيش الإنقاذ ومعارك باب الواد وربط الجزء المتبقي عن النكبة بالدولة الأردنيه وخسارته ( الضفة الغربية) 67 والكرامة ومناوشات الإستنزاف التي تبعت. . و هذا الأرث المشترك ادی إلی إصرار المفاوض الأردني علی الولاية والوصاية علی الأقصى عند توقيع وادي عربه. .
ورغم أن هذه الأحداث والأدوار و خاصة تلك التي تزامنت وتلت النكبة الكبرى لها أكثر من قراءة بحكم المواقف السياسية والفكرية لباحثيها. .إلا أن دلالتها الأوحد هي وحدة المصير وهذا ما يقود إلی اللحظة الراهنة حيث يتعرض المسجد الأقصى لحملة جدية من سلطة الأمر الواقع المحتله تستهدف خلق واقع جديد يتجاوز واقع الإحتلال ليصل إلی تغير الهويه عبر فرض التقسيم الزماني والمكاني متجاوزين الأعراف والقوانين الدولية المتعلقة بالأراضي تحت الإحتلال وضاربين بعرض الحائط التوافقات المحددة في اتفاقية وادي عربة. ..مما يتطلب موقفاً اردنيا (حكوميا) رسمياً أبعد من التعامل مع الأمر الواقع ليصل إلى موقف جدي فعلي مستنداً بالحد الأدنى لما تم الإتفاق عليه في موضوع الولاية علی الأماكن المقدسة ولو وصل إلى المفاضلة بين وادي عربه ومصير القدس وللحكومة في حادثة (مشعل) والموقف الملكي الصارم آنذاك مثالاً يحتذى. . والفت هنا انني لم أقل موقفاً شعبياً لأن الموقف الشعبي معروف وطموحاته أكبر والدولة وذراعها التنفيذي الحكومة تعرف ذلك الموقف وإن أي رهان من قبل الحكومة علی الزمن والدبلوماسية والموقف الدولي هو رهان خاسر أمام صلف وعدوانية المحتل الصهيوني وشواهد التاريخ تعطينا الجواب ومسار اوسلوا التسويفي خير مثال.
أخيرا. .في كل مرة كان الأردن فيها جزءاً من الحدث الفلسطيني شعبياً ورسميا كانت المواقف يصيبها الغموض والضبابيه وتحتمل التأويلات ويختلط الأمر لدرجة أن الإيجابي منه يختلط بغيره (سياسياً) وتضيع المواقف في متاهات التشكيك بسبب غياب الشفافية والوضوح. وهذا ليس إبراء لكل مواقف الحكومات المتعاقبة فبعض الموقف والخطوات الرسمية تبقی موضوع اجتهاد حتى على مستوى الداخل الوطني..
لكن الأمر الآن يتطلب موقفاً رسمياً متسجما مع الموقف الشعبي وللحكومة الاستناد علی الموقف الملكي الأخير الذي عبر عنه جلالة الملك في حديثه الأخير. .ورغم ما قد يقال عن اعتبارات الموقف الإقليمي والدولي. إلا أن هناك هامش كبير للمواقف تستطيع الحكومة الاستثمار به ألا وهو الموقف الشعبي وإلا فإنها مرة أخرى ستخسر المزيد من الثقة شعبياً ولن يرحمها أحد وتوقع الوطن مرة أخرى في دائرة الضبابية والجديه وتضر بتضحيات الأردنيين عندما ينسحب موقفها عليهم ..مع وعينا أن الحكومة ليست حكومة ثورية لكن بالتاكيد لن نقبل أن تكون ذرائعية استسلاميه أمام الاستعلاء والتطرف المقابل.