وهم الطبقى الوسطى بين المال و الاخلاق
أ.د. هيثم العقيلي المقابلة
20-09-2015 03:48 AM
في الذاكرة الجمعية متعارف على ان تقسيم الطبقات يعتمد على الوضع المالي بحيث جرت العاده الى تقسيم المجتمع الى ثلاث طبقات, غنية مترفه و متوسطه مكتفيه و فقيره مكافحه. بناء على ذلك جرى تحديد سلوك الطبقات من منطلق قدراتها الماليه بحيث اشتهرت الطبقه المترفه بالثقافه الاستهلاكية و التبذير و السعي للربح السريع بدون ضوابط. كما اشتهر عن الطبقه الوسطى الانظباطيه في الصرف و البعد عن المغامرات غير المحسوبه بما فيها الدخول في مشاريع اقتصاديه غير مضمونه اما الطبقة الفقيره فاتسمت بالصراع من اجل البقاء و تحصيل قوت يومها او ايامها دون ان يكون لها ترف التخطيط للمستقبل.
كل ذلك انعكس على سلوكيات الافراد و العائلات في المجتمع فتجد الطبقة المترفه غير عابئه كثيرا بعقد المستقبل باعتبار ان خياراتها اوسع و ان موطنها حيث يكون مالها و في المقابل فان الطبقة المتوسطه تدخل في حسابات معقده للحاضر و المستقبل و مستقبل الابناء محاطه بسياج اخلاقي يمنعها من الكسب السريع غير المأمون اخلاقيا و اقتصاديا و بسياج طبقي يحافظ على نفرتها من الطبقه الفقيره مما وضعها في بوتقه خاصة ابعدتها عن التأثير في المجتمع فلا هي تملك فائض من المال تستخدمه لمساعدة او ابتزاز الطبقة الفقيره و لا تملك التأثير الذي يضعها في منافسه مع الطبقة الغنية. طبعا هذه الطبقة فيها مستويات مالية مختلفه و بالتالي فيها طيف كبير من الفئات مثل اساتذة الجامعات و الاطباء و المهندسين و المحامين و المعلمين و نسبة من الموظفين.
ما سبق هو اعادة انتاج للتفكير السائد و هذا قد لا يكون صالح كتصنيف في ظل الثورة التكنولوجيه و الاوضاع التي تمر بها الامه. اهمية ايجاد تصنيف جديد مجتمعي هي لتحديد الاهداف في اصلاح المجتمع فالاصلاح لا يمكن ان يكون فقط سياسي او اقتصادي بل هو اصلاح ثقافي و مجتمعي.
اعتقد شخصيا ان السلوك الاخلاقي هو التصنيف الاقرب لمحاكاة الواقع. فان اردنا تصنيف المجتمع الى فئات ثلاثه مع الطيف في كل فئه و اسقاطه على واقع المجتمعات العربيه فيمكن القول ان الطبقة الوسطى سلوكيا و اخلاقيا تشكل حجر الرحى و عمود الزاوية في استقرار المجتمع.
الطبقة العليا او المترفه عابره للتصنيفات و ترتبط اخلاقياتها بالمال و تدور حوله و بالتالي فان اي علاقات او تأثير او تأثر او انتماء او ولاء يرتبط بالمال و المصالح الفئوية او العائليه. بالـتأكيد ان هذا الارتباط ليس معيبا فنحن هنا لا نحاكم او نقيم و قد يكون ذا فائده في تطوير المجتمع و خلق فرص عمل شريطة ان يكون ضمن ضوابط القانون و الاخلاق.
الطبقة الوسطى سلوكيا (بغض النظر عن امكانياتها الماليه) ترتبط بقاعدة و مرجعية اخلاقيه فتجد تركيزها على قيم الوفاء و الثقافه و الابتعاد عن الاخلاق الوضيعه مثل الزنا و التحرش و احترام القانون و النظام و المحافظه على الممتلكات العامه و الخاصة و احترام حرية الاخرين و البعد عن الاقصاء و التهميش و التركيز على احترام الفرد و فكره بغض النظر عن اصله و لونه و ديانته و ارائه السياسيه. كما ان هذه الطبقه تنأى بنفسها عن الفحش في الكلام او المجاهره في المفاسد و تنأى عن الاشاعات و اغتيال الشخصية و بالتالي تكون اقرب للمجتمع المدني و تطبيق الدين بشكل سليم.
الطبقة الدنيا سلوكيا (بغض النظر عن الوضع المالي) تغيب عنها المرجعيات الاخلاقيه و لا تقيم وزنا للمشاعر الانسانيه و تحاول التغول على القانون و النظام ان سنحت لها الفرصه. هذه الفئه تكثر الحديث عن الدين دون تطبيقه و لكن لاستخدامه كسلطه لشيطنة الاخرين و غالبا ما تميل الى الكلام الفاحش و التفاخر بالسلوكيات غير المقبوله. طبعا الحديث عن المال يشغل الجزء الاكبر من تفكيرها و لذا يكثر فيها التذمر و الشكوى فهي تطمح للحصول على المال دون جهد و بالتالي تميل لاحترام من يملك المال رغم عدم استفادتها من ذلك و تميل للنفره و معادات الطبقة الوسطى سلوكيا.
الدين لا يمكن ان يكون اساس للتصنيف الارضي ففي كل الطبقات ستجد المتدين سواءا الملتزم او المرائي. كما ان الالتزام الديني السليم سيدفع بالشخص الى الطبقه الوسطى سلوكيا فالدين جاء متمما لمكارم الاخلاق و هو يشكل وازع داخلي يحمي من الشهوات سواء المال الحرام او السلوكيات المنحرفه. لذلك نجد ان التيار الاكبر من المتطرفين يقعون ضمن الفئه الدنيا سلوكيا سواءا نتيجة الاحباط العام من الانتقال للطبقات الاخرى او ضيق الافق و محدودية الثقافه و التي تلغي الحوار و تقبل الاخر او نتيجة ايجاد فرصة في الالتزام بقشور دينيه للحصول على سلطة مجتمعيه و بالتأكيد هذا مختلف عن تطبيق الدين في الجوهر.
كما ان التعليم لا يمكن ان يكون اساسا للتصنيف فمجتمعنا يغص بالشهادات الجامعية ز العليا و لكن ابتعاد النسبة الكبرى عن الثقافه و عن جذور المجتمع وزع المتعلمين على كل الطبقات فتجد المتعلم الذي يستخدم علمه للفساد و الافساد و تجد المتعلم الذي يرفض الاخر و تجد المتعلم الذي يسير مع القطيع دون تفكير و يقوده الجاهل و الفاسد لذلك فان التعليم ما لم يكون جزء منظومه ثقافيه اخلاقيه لن يكون طريقا لرقي المجتمع و تحضره.
ان المقصود من هذا التصنيف و هو اجتهاد شخصي ليس لتقييم او محاكمة المجتمع و لكن لتوجيه الجهود ضمن العائله و المحيط لتقوية الطبقة الوسطى سلوكيا و التي اصبحت تعيش في عزله لعدم قدرتها على الفهم او التفاهم مع المحيط فما يعتبر في فكرها منبوذا قد ينظر اليه كبطل في طبقه اخرى. مثال على ذلك من يمارس القيادة برعونه و يعرض حياة الاخرين للخطر تنظر له الطبقه الوسطى على انه خارج عن القانون و الاخلاق في حين ينظر اليه في طبقه اخرى على انه بطل فهلوي.
الخص و اقول ان السلوك و الاخلاق هي ما يجب ان يحدد تصنيف المجتمع و بالمقابل لا يمكن التصنيف من منطلق المال او التعليم او المال على اهمية هذه العوامل. بالتالي فان الهدف اعلاء القيم الاخلاقيه و السلوك في كل تفصيل بدءا من العائله الى العمل الى المجتمع الى الدوله الى الامه و التركيز على الاخلاق مثل احترام القانون و اتقان العمل و التأثير الايجابي في المجتمع و الابتعاد عن الرذيله و الاشاعه و الكسب غير المشروع و الادمان و الرشوه و العنف و الابتزاز باسم الدين و التركيز على احترام الاخر دون النظر الى جنسه او لونه او توجهاته او شكله بل الاعتماد على التزامه الاخلاقي و السلوكي و الثقافي.
د. هيثم العقيلي المقابله-جرش