يجب التمييز بين كتـّاب الأعمدة الصحفية، فهناك صنفان لا يجوز الخلط بينهما: الأول صحفي والثاني ناشط سياسي.
الصحفي يعتمد على المعلومة والحقيقـة فهي مادته حتى لو لم تلائمه، وإذا أخطأ أحياناً انخفضت درجة مصداقيته، وإذا أخطأ كثيراً تم الاستغناء عن خدماته. أما الناشط أو الفاعل السياسي فهو يسـتعمل الحقائق انتقائياً كأدوات لتحقيق غرض مسبق، فالهدف تحقيق مكسب حزبي أو انتخابي أو خدمة أجندة معينة.
في نيويورك تايمز مثلاً، وهي من أفضل الصحف اليومية، كاتبان هما نيكولا كريستوف ووليام كريستول، الأول صحفي محترف والثاني فاعل سياسي يميني مرتبط بالحزب الجمهوري. وقد اضطرت الصحيفة ثماني مرات خلال فترة قصيرة لنشر تصحيح لمعلومات خاطئة وردت في عمود كريستول الذي يظهر مرة في الأسبوع، في حين لم ينشر أي تصحيح لمعلومات كريستوف خلال نفس الفترة، مع أنه ينشر عموداً مرتين في الأسبوع.
في الأردن كتـّاب أعمدة منتظمون، على أساس يومي أو أسبوعي وفي كل الصحف اليومية. وهم ينقسمون بدورهم إلى صحفيين يسعون وراء الحقيقة ويقدمون تحليلات موضوعية، وفعالون سياسيون يهمهم الدفاع عن موقف سياسي أو حزب أو حكومة أو دولة عربية أو أجنبية، يقدمون تحليلات منحازة، ويشنون حملات دفاع وهجوم حسب الحاجة، ويعرف القارئ ماذا يتوقع منهم قبل أن يقرأ لهم.
عملية التمييز بين الصنفين ليست سهلة فهناك قدر من التداخل، وهم يشتركون في النشر والندوات جنباً إلى جنب وعلى قدم المساواة. ونلاحظ بشكل خاص أن المقابلات التي يجريها التلفزيون الأردني تضم عادة ضيفين اثنين: أحدهما فاعل سياسي جاء لإثبات وجهة نظر معينة بصرف النظر عن قناعاته الشخصية، والثاني صحفي يقدم وجهة نظر متوازنة ويوفر قدراً من المصداقية للمقابلة كلها ومنظميها.
الصنفان من الكتـّاب مطلوبان، ولهما أدوار لا بد منها لتمكين الجمهور من الوصول إلى الحقيقة، ولكن من المفيد، بل من الضروري، التمييز بينهما، بحيث نقرأ ما يكتبه الفاعل السياسي بحذر.
الرأي