-1-
كنت أقاوم الحصار شعريا، وكلما كتبت سطرا شعرت بأن الدبابات تبتعد مترا، هكذا تحدث محمود درويش عن حالة الحرب، والحصار، في بيروت..
كانت بيروت، ثم، تَلـَبْـنَـنَتْ المدن كلها، وتَـبـَـيْـرَتَــتْ، والحصار، لم يعد يحاصر فقط، بل استقال لصالح الخَراب والحِراب!
-2-
أصدقاء «فيسبوك» لهم تجارب متميزة مع الحب والحرب، سأنتقي اليوم تجربة ملهمة لكاتبة تقاوم الموت بالحب، وتعيش ولم تزل، حالة حرب حقيقية، أو كما يكتب الصديق باسل طلوزي: نكتب عن الحب في زمن الحرب كي لا نموت مرتين!
صفاء الهبل، تعيش في صنعاء، أتواصل معها يوميا، سواء عبر ما تكتبه، أو ما يكتبها، تختصر حالتها قائلة، أو كاتبة: نكتب عن الحب، لكي نستطيع التنفس. ولأن الحب رئة الليل وعين الصبح التي لا يملك سواها ..!
البعض يستغرب مقاومة الكآبة بالكتابة، ويعتبر أن الكتابة في الأدب، في ظروفنا، محض قلة أدب، هؤلاء لا يعرفون سر الحرف في هزيمة الخوف!
-3-
أحاول تذكري كلما أردت الكتابة، أبحث عن تفاصيل كثيرة، في روحي في وجهي .. ووجعي ، ولا أجدها ، تقول صفاء، وتمضي أكثر في تأبين ذاتها: أجزم أني راحلة، أعلم جيداً متى؟ أين؟ كيف؟ .. أجمعني في كيسٍ أسود، أقلب قلبي وفي يدي مشرط حاد، مع كل خفقة أترك حولها نُدبه؛ لأتذكر أني راحلة .. لم تعد هذه الخريطة تُشبهني، لم يعد لي في هذا العالم موطىء نبض! وبين موت وموت، تجد متسعا لتنفس هواء نقي: أبدأ منك، وأنتهي إليّ .. هكذا نحن قمرٌ مكتمل، دائري بلا حواف يجرح أرواحنا ..! وقبل أن تمضي في حالة الحب، تفاجئها الحرب، فتصرخ، مع دمدمة الصواريخ: اندفع الصاروخ ولم يحسب حساب قلبي المثقل بالتعب، كان يهوي بقوة لكأنما أراد إضافة الخوف على ظليّ باهتزاز الشمعة ..!
وبين «صلية» وأخرى، تتنفس حبا على سرير النزع: لا أحب أحدا، ولا أكره أحدا .. يتشكل جسدي من حُزمة خلايا تشربت الفقد ثم الفقد والفقد. أتوق لتلك الحياة التي أكتبها لتتسلل إليّ من بين أصابعي كمسٍّ ملائكي، لا يُهلكهُ إلا مغيب الروح. هكذا؛ وجدت انشطاراً روحيّا بين عبث اللقيا ووجع الغياب ، ومع هذا تظل تقاوم: احفروا لي قبراً، ذكّروني، لأسكب بهِ حزني .. وتستبد المقاومة أكثر، فتسمو إلى أمد أبعد: أحدثك عن الورد ..! لأغزو أنفك بعطر وشاحي ..
عبق سيتسلل إليّك كُلُّ ليلة ..!
-4-
ذات حرب، كان السيد المختبىء في قبو شبه معتم، يصحو على صوت القصف، كما هي العادة، إن نام اصلا، يحلق لحيته، ويتعطر، يرتدي بزته الجميلة، ويستعير وردة بلاستيكية، ليضعها في جيب معطفه، ويمشي محدودب الظهر في قبوه، كي لا يضرب رأسه بالسقف، موهما نفسه أنه ذاهب لموعد غرامي، حتى إذا اشتد القصف، استلقى على حشية بالية، واسترخى، كمن يصغي إلى هدير الموج، صانعا من مخبئة فضاء يمتد إلى الأفق!
-5-
صفاء، تقاوم الموت بالموت أيضا، حين نعت عصفورها: عالمٌ تافه ، حزينة .. غاضبة جدا ..
عصفوري يحتضر أمامي وعيناه غارقة بالدموع، منذ شهر وأنا أقارع أسباب الموت ليستمر في الحياة .. لفظ أنفاسه الأخيرة بين يدي .. حاك لي دمعة ورحل . ها أنا أُتْرَكُ مجددا، ومع هذا، تستمر في المقاومة: سأموت يوماً بطريقة ما، حينها، أجزم أني سأرحل تاركة من ورائي الكثير من الحب! .. ..
الدستور