زرت الكرك ، امس الاول ، ومنها الى قرى المزار الجنوبي ومؤتة وعي ومدين ، ووقفت عند حدود كثربا ، لسبب ما ، والكرك وقراها ، جميلة جدا ، وفيها يبعث المكان روحك من جديد ، فهنا سهل مؤتة ، وهناك بئر مدين حيث وقف موسى عليه السلام ، ووجوه اهل المكان ، ترتسم بين الطيبة والغضب النبيل.كان لافتا للانتباه ، لي الاهمال الكبير ، الذي تعاني منه هذه المناطق ، فعلى الرغم ، من كل الحديث عن البنى التحتية والشوارع واضاءة الاعمدة ، وانشاء الجامعة ، اي جامعة مؤتة وغير ذلك ، الا ان الاهمال يبقى هو العنوان في جنوب المملكة ، ولو ذهب كثيرون ايضا الى الطفيلة ومعان ، لوجدوا ان الوضع اسوأ بكثير من الكرك وقراها ، اسوأ بكثير الى الدرجة ، التي تجعل المرء يظن ان الحكومات المتتالية ، لا تعترف الا بعمان واربد والزرقاء ، فيما كل مناطق جنوب المملكة ، عموما ، مهملة ، وقد كنت اسأل نفسي ظهيرة امس الاول ، عن سبب وجود عشرات الشباب في عمر الدراسة الجامعية او العمل ، ولماذا يجلسون على الارصفة ، ويدخنون سجائرهم بشراهة ، ويتأملون في الفراغ ، وهم بلا عمل ولا هدف ، فكان الجواب سهلا ، انه النسيان للمكان واهله ، وهذا النسيان خطير للغاية ، حين تغرق غالبية الموظفين في هذه المناطق بقروض المصارف ، وحين يكون المستقبل مغلقا امام كثيرين منهم.
لم يعجب رأيي هذا ، احدهم ، حين سألته لماذا ساهمت جامعة اليرموك ، بكل هذا التغيير في اربد ، ولم تساهم جامعة مؤتة بهذا التغيير ، فرد علي ان القصة ليست قصة مقارنة بين جامعتين ، اذ ان تسييل الطلاب يجري باتجاه اربد اكثر ، وايضا ، البنى التحتية واستثمار القطاع الخاص في اربد هو اعلى ، ولو تم ارسال طلاب من مختلف مناطق المملكة الى مؤتة الكرك ، فلا شيء يتغير ، فالخدمات المساندة قليلة ، وهناك تحفظات اجتماعية ، وحتى المال الاردني "الكركي" لا يضع دينارا في الكرك وقراها ، فما بالك بكل المال الاردني الغائب ، والمال العربي الذي لا يفكر الا بشراء الاراضي المجاورة لمقام جعفر بن ابي طالب لاسباب سياسية ومذهبية ، وهو الامر الذي لا يتم بطبيعة الحال.
عمان ، التي انتفخت حتى تفجرت خدودها ، من الناس والضغط على الخدمات ، وغير ذلك ، ليست مدينة استراتيجية ، ينبغي التركيز عليها وحسب ، فمناطق الجنوب بحاجة الى احياء حقيقي ، والى انعاش لروحها ، والتوقف عن افتتاح مشروع صغير او متوسط ، ثم تركها وتذكر المكان بعد سنة ، اذ انه امر عجيب جدا ، ان لا يضع من يخطط في حساباته ضرورة احياء هذه المناطق بطريقة فاعلة ، ورفع الغبار عنها ، وكل مدن الجنوب ، تتفرد بكونها خلف الطريق الصحراوي بعشرات الكيلومترات ، ولا احد يعرف لماذا لم يشقها الطريق الصحراوي منذ الاساس ، حين تم التخطيط له ، حتى شعرت ، انها مدن تغلق عبر بوابة او سيارة حكومية بأمكانها اغلاق مدينة كاملة ، عبر المدخل من الطريق الصحراوي.
الكرك ، وقراها ، بحاجة الى انعاش حقيقي ، فهؤلاء ايضا ، هم رجال المملكة ، وجندها ، وهذا العتب الكركي تقرأه في العيون ، وتسمعه عبر الكلمات ، حين تغيب الخطط التنموية الحقيقية ، ونستغرق في المسكنات ، والكرك هي سنديانة الدولة ، التي يجب ان تحظى بالرعاية والاهتمام ، واخراج القرى المنسية فيها ، من هذا الغياب الطويل ، وهذا التراجع ، وهذه الظروف الصعبة ، ومن مصلحتنا ان تكون كل مدن الجنوب وقراه ، مزدهرة.
الكرك وشقيقاتها مدن الجنوب ، بحاجة الى وقفة خاصة ، وقفة سياسية واقتصادية ، فلا يكفي ان نشق طريقا حديثا نحو الكرك لنقول ان هذه هي التنمية ، وهذه دلائل الازدهار ، فالتنمية والازدهار دليلهما الاول هو الانسان ، قبل الشارع ، وقبل التصريحات الاعلامية.
كل الدروب.. تأخذك الى الجنوب.
m.tair@addustour.com.jo