قصة قديمة من قدم البشرية، ربما كانت سردا لقوت حكايات الف ليلة وليلة، قصة حديثة ربطت بسعر برميل النفط. نعم مسكين أنت أيها الرغيف!! لقد كنت في القديم زمن ابائنا وأجدادنا ،رمزا من رموز الحياة، ثم أتت عليك رياح السفر لتغير حالك، ولونك الذي ماعاد لون ، وطعمك فقد المذاق الطيب، كانت بيوت الاردنين في السابق لاتخلو من حبوب القمح اللامعة كالذهب الاصفر ،يعتد بها كل فلاح وفيّ لارضه ولوطنه ، في مثل هذا الوقت حين تنظر الى أرض حوران وسهول مادبا ، ومشارف السلط ، وسفوح الكرك والطفيلة والشوبك الابية، تجدها تعج بحقول القمح كأمواج البحر، تتماوج مع كل هبه ريح، والسنابل رافعة رؤوسها لكنها مطاطة قليلا بكبرياء، أمام جهد وعطاء خدام الارض، مزارعين تركت الشمس على وجوههم سمرة ألفتها القلوب، وفي أكف عطائهم تشققات إن قبلتها تجد بها طعم الوفاء لأردن الوفاء. وتلك السواعد المفتولة يعرفها الناظر من بين سواعد ملايين العرب، تلك هي السواعد الأردنية، التي ستبقى تعطي وتعطي الى نهاية العمر. لكننا ننظر في هذه الأيام فنجد أن تلك المشاهد التي اعتادتها نواظرنا، أصبحت ضربا من الماضي،خيالا كان حقيقة، نتغنى بها في أفراحنا ،نكتبها كقصائد لكنها بلغة الموت ، لقد أصبحت بيوتنا خالية منك أيها القمح ،وخوابي الخزين ما عاد لها وجود، الا في متاحف الزمن، تلاشىء الخبز الأسود كما يطلق عليه رغم أنه ليس بأسود أنه الخبز الذهبي!! أنه طعام ماضينا الذي افتقده حاضرنا بأسى.
أسمحوا لي أيها الاعزاء بأن اعرج على أبا أبراهيم الذي لم تطوعة أعوام العولمة ولا ثورة التقنيات الفكرية والبصرية، لم يجعل منه التلفاز زبون يقبع بين جدران الكسل، والاعتماد على دعم من قريب او بعيد !! نعم هو يطالع ما يجري من حوله ويستمع ويرى صراع العالم المرير، بحروبه المدمرة والفراق الذي طال حتى الاشقاء ، لكنه أبقى على أرث الأب ووصية الجد، عشق تراب الأرض ، أبقاء على محراثه القديم ، وبغله الذي يقول بأنه من أصول البغال التركية، قوي يستخدمه في حراثة أرضه، التي لا تبعد عن بيته الريفي الا مسافة كيلو مترات قليلة . اذن ما زال هناك من تكلمنا عنهم واعتبرناهم جزء من ماضي ذهب وولى.
أصدقائي ما جعلني أكتب تلك الحكاية التي هي ليست بغريبة عن أي مواطن أردني ،
سواء كان من شرقي النهر أو غربيه ، فلننظر جميعا الى حال رغيف اليوم لقد أصابه سو حال، تغير لونه فمرة نراه أبيض لم تمسسة النار ،وتارة أخرى نجدة قد توشح بلون أسود من فعل المازوت الذي اصاب بدخانه الرغيف الذي نقتات عليه، لم يقف الحال عند ذلك، فنظرا لذلك الصراع المحموم في قفزات اسعار برميل النفط الذي وصل لاسعار جنونية ، نتيجة لذلك قسم الرغيف الى أصناف، وسعربشرائح مختلفة، فنجده كما يدعون أهل الاقتصاد رغيف محسن يأكلة الذين انتفخت جيوبهم وملأت بدولارات العم سام ، وصنف ،لا بل أصناف أخرى، للعامة للكادحين، الذين ما عاد في بيوتهم غير- الرغيف الفرنجي- حسب تسمية المخابز، يأكلونه وهم يتجرعون الفقر في أكواب الشاي، وفتات الأرغفة التي ما عاد الانسان يتذوق بها طعم الخبز.
فتارة نقول بأن الخبز خميرته حاذقة ، ومرة نجد أن بعض الخبزمضى عليه يوم أو أكثر فدسه البائع بين الارغفة الطازجة . لقد ضاع طعم رغيف الخبز في أفواهنا ،أصبحنا نتحصر على رغيف الأمس، يوم كانت تخبزه جداتنا في تلك الطوابين، التي كانت تنتشر في قرانا، موروث من ماضي سنبقى نتغنى به ،حتى ولو أوصلنا التقدم الزائف الى أبراج لامست الغيوم ، فانا كأردني عشق الماضي ، عشق غناء الفلاحين في مواسم الحصيد، ما زلت أذكرطابون جدتي وذلك الوشم الذي علا جبينها وزينت به وجنتيها اللتان عشقتا الشمس، فأعطتهما الشمس لون الخلود. مشهدا مازال عالقا في ذاكرتي الى البعيد البعيد!!
واخيرا هل بالفعل ودعنا رغيف الماضي؟
لنأكل رغيف من قشور القمح الامريكي المستورد، المخزن في صوامع تشاركنا الفئران نصيبها منه، هل أنستنا المدنية أصولنا؟ ورسالتنا تجاه الارض التي تلاشىء اخضرارها، زحف على وجهها التصحر ، تسابقت آليات ومصانع لتجرف التراب وتقتل فيه الانبات ، فتحوله الى أبنية خرساء.لنقف متفرجين على مذبحة كل أرض زراعية ، نشهد قتل العطاء ونطمس ماض عريق. اذن ما عاد لنا أن نجد الا حكاية نحكيها ،لاطفالنا ولشباب اليوم، حاضرا وربما مستقبلا الا وهي – حكاية رغيف-!!!!
Dream1_life@hotmail.com