هناك مقهى في العقبة , حين تدخله تكتشف أنه علق مجموعة هائلة من صور لشعراء وفنانين ومثقفين أردنيين .. حضرت كل الوجوه إلا حبيب الزيودي فقد غابت صورته , وجلست أبحث عنه لكني لم أجده .. ترى من يقرر الفنان أو المثقف الشارع أم مقهى في العقبة؟
الغريب أن صاحب المقهى اختار الصور على مقاس اليسار , وليس على مقاس الإبداع , فكل من هو يساري أو يمتلك نهجا قريبا من اليسار .. توضع صورته بالمقابل يغيب عمر العبداللات , ويغيب حبيب الزيودي .. تغيب سلوى العاص ويغيب كاتب عظيم وعريق مثل محمود الزيودي .
هؤلاء لايشرفهم أن توضع صورهم على حائط , يجلس بجانبه مراهق ومراهقة ينفثون تحته ركام الأرجيلة .. ولا يعرفون اسم مؤلف واحد , أو قصيدة واحدة .. أو جملة لمؤنس الرزاز .. للعلم , مؤنس إرثه الثقافي يدرس في المدارس , ولا يجوز أن يكون مجرد صورة في مقهى ..يهدف صاحبها .. إلى تجميل الجدار.. ليس إلا .
والسؤال الذي يرمى على ذهن وزيرة الثقافة هو .. اليست الوزارة معنية بحماية الإرث الثقافي .. للشعب, ما دامت كذلك , فهل من المنطقي أن تصبح صور مجموعات هائلة من المثقفين الأردنيين , ديكورا يوضع في مقهى .. من أجل إمتاع مدخني الأرجيلة والزوار من إسبانيا , وسائح يتحدث الإنجليزية بطلاقة ... ويرتدي (تي شيرت أبيض) وقد نسي , أن على ظهر الـ (تي شيرت) صورة ليافا ويظهر علم إسرائيل فيها , والغريب .. أنه كان يجلس .. بجانب صور أناس اشتهروا بكتاباتهم عبر مقاومتهم للإحتلال ...
اليسار لم يكن إقصائيا يوما ما , ولكن يبدو أن يسار اصحاب المقاهي والأرجيلة ليس مثل اليسار الذي نعرفه .. فهو يسار تزيين الجدران , بالصور فقط ...
الأردن ليس تهمة .. وحبيب , كتب عن الأردن .. بإحتراف ولا أظن أن أحدا قد طاول قامته الشعرية , وعمر العبداللات .. جعل جيلا كاملا يعشق البلد عبر وتر عوده .. ولا أظن أن الأردن سينجب مثله , ولكن هؤلاء في عرف اصحاب المقاهي أعداء .. بالمقابل من أمضوا جزءا من حياتهم ..على أرصفة بيروت ومقاهيها يمارسون الشتم باسم الثورة , وباسم التحرر ..وباسم ما نسميه مجازا (التقدمية) تعلق صورهم في مقاهي العقبة .. علما بأنهم جميعا ومع احترامي لهم .. لم يستطيعوا بكل ارثهم , أن يصلوا إلى حد شعبية عمر العبداللات أو حبيب الزيودي.
كل ما أتمناه من رئيس سلطة العقبة .. أن يزور ذاك المقهى , وأن يدرك أن زمن بيروت انتهى وزمن الثورة .. وإتهامات الأنظمة بالرجعية , انتهى أيضا ... وأن جدران المقاهي ليست وسيلة للعرض , وأن المثقف ليس سلعة.. لتزيين المقهى ...
وسيبقى حبيب الزيودي , أشعر من عبر البر الأردني بعد عرار .. ونحن من يقرر ذلك ليست المقاهي التي تقرر .
الراي