خَدَشَ الكاتبُ الحياءَ العام، ما استدعى إحالتهُ الى القضاء "لينالَ جزاءهُ العادل". ومنها خَدَشَ الشابُ والفتاةُ الحياءَ العام، حينما كان يمشيان في الحديقةِ أو الشارع، إِذْ كانا يُمسكانِ بأيدي بعضها بعضاً، ما تطلَّبَ تدخُّلَ الشرطة، لأنهما كانا "في ظروفٍ تجلبُ الشبهة".
هكذا، لا بُدَّ للقوانينِ أنْ تنطوي على قدْرٍ وافرٍ من البلاغة. يُمْكِنُ الاستفادةُ منها في امتحاناتِ الثانويةِ العامة في درس الاستعارة مثلاً. فقد شبَّهَ القانونُ الحياءَ بالزجاجِ أو الجِلْدِ الرقيقِ، ثمَّ حذفَ المشبهَ به، وأبقى شيئاً من لوازمه (خَدَشَ) على سبيلِ الاستعارةِ المكنيَّة.
نَحْنُ نتحدَّث في البلاغة. يُمْكِنُ أن نفهمَ الجملةَ من جانبٍ أكثرَ فطنةً، فتصبحَ استعارةً تصريحيةً أيضاً. فالأمرُ لغويٌّ بحت، واللغةُ فضفاضةٌ، بما يكفي لتستوعبَ القوانين. هناك تهمةٌ في القانون السوريّ، تعاقبُ بالحبسِ ثلاثة أعوام كلّ من "يبثُّ الوهْنَ في نفسيَّة الأمَّة".
أي أنّ هناك "أُمَّةً" و "حياءً عاماً". وهذه أُمَّةٌ رقيقةُ المشاعر، من السهلِ جداً أنْ تخدشها ملابسُ النساء، أو جلوسُ فتىً وفتاة في سيارة، وهما يستمعان إلى فيروز. إنها الأمّةُ العظيمةُ نفسها التي تعرَّضت نفسيتها للوهن الشديد، عندما كتبت البنتُ السوريَّة طلّ الملوحي على مدونتها احتجاجاً ضدّ قوانينِ الطوارئ في بدايةِ عهدِ القائدِ الفذّ بشار الأسد.
لا وجودَ لشيئ اسمه الحياء الخاص. بمعنى أنْ تقدمَ شكوى الى الشرطة بأنَّ شابين رقصا على الرصيف. فالشرطة لا تنتظرُ ذلك. تتدخَّل فوراً بالنيابةِ عنكَ لتمنعَ هذه الجريمة، وقد رأت الدماءَ تسيلُ من الوجه العام المخدوش، وذلك يُشبه أنَّ الطائرات الإسرائيلية قصفتْ الأراضي السورية مرّاتٍ عدة، لكنَّ نفسيَّة الأمّةِ المجيدةِ كانت بخير، ولم تتعرض للوهن، بقدر الضرر الذي أحدثتهُ المدوَّنة.
فعلاً. إنَّها أمَّةٌ حسَّاسةٌ. وتتفهَّمُ القوانينُ هذه الرقّة. لذلكَ تجدونَ الحياةَ العربيَّة غامرةٌ بالسعادةِ والهدوء والانفتاح. فلا تحرُّشَ، ولا تدخُّلَ في الخصوصية. الحريّاتُ والحقوقُ تكفلها قوانينُ "تضربُ بيدٍ من حديد" على كُلِّ من تُسوِّلُ له نَفْسَهُ المصابةُ بالـ"الوهن" أنْ يخدشَ الحياءَ العام..