إيران إذ تشتري بقاء بشار بعوائد النووي
ياسر زعاتره
16-09-2015 03:25 AM
لم تكن تصريحات وزير الخارجية النمساوي في طهران عن دور بشار في مواجهة ما سمّاه الإرهاب مفاجئة، وإن بدت أنها مجاملة للمضيفين، فقد سبقتها تصريحات إسبانية مماثلة، وتبعتها بريطانية أيضا، والأهم، وربما الأسوأ، يتمثل في تبلور محور عربي يتبنى فكرة إعادة تأهيل بشار.
ما ينبغي أن يتذكره الجميع هو أن الركن الأهم في مشروع تمدد إيران، وتبعا لذلك العنوان الأبرز لفشله الذريع يتمثل في وجود بشار الأسد في السلطة، ذلك أن أية صيغة مهما كانت لا يكون فيها لن تعني سوى نهاية واضحة لحقبة الهيمنة الإيرانية على البلد الذي يمكن القول إنه اليوم محتل من قبل إيران. وحين يحدث ذلك، ستكون حقبة الهيمنة الإيرانية على العراق، وبقدر ما على لبنان قد أخذت في التراجع أيضا.
من هنا يمكننا القول إن الجهد الأكبر الذي تبذله إيران هذه الأيام يتمثل في إقناع الجميع بأن وجود بشار في السلطة سيكون ضروريا لمواجهة الإرهاب، وهو إقناع يتم بالكلام والدبلوماسية حينا، وبسطوة المال والصفقات بعد اتفاق النووي أحيانا، ويبدو أن محافظي إيران قد اختاروا شراء المواقف بالمال، بدل دفعه في حرب طويلة، يرجَّح أنها لن تؤدي إلى نتيجة، مع العلم أنه لو حسم بشار عسكريا في الأسبوع القادم، فستكون كارثة كبرى كذلك، إذ لن يكون بوسع إيران وحدها تحمل كلفة إعادة إعمار بلد مدمر.
من هنا، فهي تبحث عن صفقة سياسية، وتغري أطرافا كثيرة بها، وكما قلنا بسطوة المال والصفقات والوعود، ولا شك أن الموقف المصري يأتي في المقدمة، إلى جانب المواقف الأوروبية، بينما تقف أمريكا على الحياد ظاهريا، لكنها عمليا مع صفقة من هذا النوع، تبقي التوتر في المنطقة بدل حله بصفقة شاملة لكل ملفات الصراع، لأن التوتر هو الذي يدر صفقات سلاح بالمليارات، بينما سيكون الأمر مختلفا في حالة تفاهم تركي عربي إيراني على تهدئة كل الملفات والبحث عن قواسم مشتركة، لكن المشكلة أن محافظي إيران لا يجدون أنفسهم في الصفقة الشاملة التي تعلن فشل مشروع التوسع، وقد تكلفهم في الداخل خروجا من المشهد لصالح الإصلاحيين.
ما لا ينبغي تجاهله في الموقف الأمريكي والأوروبي هو البعد الإسرائيلي الذي يفضل بشار ضعيفا منهكا، وبمرجعية إيرانية جديدة متصالحة مع الغرب بعد اتفاق النووي، على أية خيارات أخرى غير مضمونة.
الموقف الروسي يدخل على الخط أيضا، فبوتين الباحث عن دور أكبر في المشهد الدولي يرفض الخروج مهزوما في سوريا، وغياب بشار عنوان للهزيمة، ولذلك بدأ التدخل العسكري المباشر من أجل تغيير ميزان القوى، وإقناع القوى الأخيرة الرافضة لبقاء بشار (تركيا والسعودية وقطر) بتغيير موقفها، ولا ننسى أن لبوتين هواجسه المرَضية حيال ما يسمى الإسلام السياسي (السنّي بطبيعة الحال)، وهذا أيضا يجعله أكثر اندفاعة في الاتجاه المذكور، فكيف وهو يرضي الإسرائيليين أيضا، والذين يتمتع بعلاقة وثيقة معهم، وله خط سري ساخن دائم مع نتنياهو باعتراف الطرفين؟!
هكذا تتجمع غيوم سوداء ثقيلة في المشهد السوري، ففي حين لا زال النظام يتراجع ميدانيا، حيث فقد آخر حقل نفطي، وخسر مطار أبو الظهور العسكري، وتلقى صفعات متوالية في محيط دمشق، بينما لا زال صمود الثوار في الزبداني، وتهديده لقريتين شيعيتين يربكه، نرى أن الوضع السياسي الدولي والعربي يمنحه بعض القوة والأمل، ويبقى التعويل الأكبر هو على المواقف التركية والسعودية والقطرية، على أمل أن تتمكن من مواجهة الطوفان، وفرض حل من نوع مختلف لا وجود فيه لبشار، أو أية صيغة تؤكد ميزان القوى الحقيقي لنظام لم يعد يسيطر سوى على خمس التراب السوري، ويعيش حالة إنهاك على كافة الأصعدة، وبدعم محور إيراني مأزوم في اليمن والعراق ولبنان؛ أي في العواصم التي طالما تبجح بالسيطرة عليها.
الدستور