القرآن ُ– لا يتُرجِم ُعن اللغات الأخرى .. لأنه القديم ُ بلا بداية ٍ ولا نهاية
- واللغات تتشابه بينها كثير من الألفاظ, من دون اقتراض- وقليلاً, يقع اقتراض
- النسبة ُفي العربية الفصحى .. تأتي مع المفرد ، وتأتي مع الجمع – قطعاً
-وكلمة الأُمّيّ.. هي نسبة إلى-أُمّ- فقط, وليس إلى- الأُمّة- أبداً, أما الأُمم فيُنسَبُ لها
تمهــــــــيـــــــــــــــد ٌ:-
- قرأت ُمحاضرة َالأستاذ الدكتور – صلاح جرار – التي أبّنَ فيها الراحل الكبير – أستاذ نا الدكتور – ناصر الدين الأسد – رحمه الله – المحاضرة َالتي ألقاها في – منتدى شومان الثقافي – يوم الإثنين – 17/8/2015 م – قرأتُها في جريدة
( الدستور) الأردنية – الصادرة – يوم -21/8/ 2015م – وقد استوقفني فيها – بضعُ فقرات .. غيرَ أني سأقف عند فقرة واحدة .. أناقشها . لأني أرى أن مناقشتها تقتضي مقالة كاملة :
- والفقرة هي : يقول الدكتور جرار ، في حديثه عن الدكتور الأسد : ( وفي حديثه عن – الأمّيّ والأميّين .. يقول الدكتور الأسد إنه لم يَجدْ هاتين اللفظتين فيما اطلع عليه من شعر الجاهلية ، ولا من سجع كُهانها وأقوال خطبائها وحكمائها . وقد ذُكرتا ، لأول مرّة ، في القرآن الكريم . وهما من كلام اليهود المترجم إلى العربية ، ذلك أنهم يقولون عن أنفسهم : إنهم شعب الله المختار ، وأن مَن سواهم " أمم" والنسبة في العربية إنما هي إلى المفرد ، أي : إلى أمّة – ولذالك .. فإن النسبة إلى – أمم – هي : " أُمّيّ – وأُمّيذون" . وهي في لغتهم " جُوييم " – ص-9 –
- أقول : هذه الفقرة تطرح ملاحظاتٍ أربعاً كبيرة =
- الأولى = أن ( الأمّيّ ، والأميّين ) – ليستا من كلام اليهود ( مترجماً إلى العربية ثم أخذهما القرآن ) ، بل هما كلمتان قرآنيتان أصيلتان . لأن القرآن الكريم ..لا يقترض ألفاظاً من لغات البشر ، ولا يترجم ألفاظاً من لغات البشر ، لأنه أقدم من كل لغات البشر = هو قديم قدم الله تعالى الذي لا حدود لقدمه , لأن كلام الله تعالى ..صفته , كالسمع والبصر, وصفات الله قديمة قِدَمَهُ . فالألفاظ التي وردت – فيه – وَوُجِدَـ مثلَها الفاظٌ في لغات البشر – كالفُرس ، والروم والسُّريان ، واليهود ... إنما هي ألفاظ أصيلة في القرآن أي : هي ألفاظ قرآنية . ولكن .( تصادف ..مصادفةً) وجودُ ألفاظ بشرية مثلَها حادثة، في لغات أقوام من البشر. فلا يقع في عقل مفكر بارئ من الهوى .. أن الله يترجم عن لغات البشر .. وهو خالقهم وخالق لغاتهم ولا يقع أن اللغة القديمة ( = كلام الله ) مترجم بعضها عن لغات حادثة – إلاّ ..إذا قبَِلَ هذا العقل المفكر أن الجاحظ العظيم .. الذي عاش في القرنين الثاني والثالث الهجري =في النصف الثاني من الثاني والنصف الأول من الثالث . . أخذ عن طه حسين الذي عاش في القرن الهجري الرابعَ عشَرَ– وما ردّدَهُ القدامى والمحُدْثون على أنه وردت في القرآن ألفاظ أعجمية من الهندية ، والرومية ، والفارسية . إنما هو راجع إلى أنهم كانوا ينظرون في الأشياء ، كثيراً ، معزولةً عن غيرها , ولا يجمعونها في إطار واحد, ثم يفرّقون بين المتماثلات , وبين المتعارضات والمتضاربات . وإلاّ .. فلو ربطوا بين وجود مثل هذه الألفاظ في تلك اللغات الحادث’ ، و بين وجودها في القرآن – القديم .. لانتهَوْا أنها المصادفةُ البحْتُ هي التي جمعت بين الحادث إلى جانب القديم . ولو كان القرآن يقترض أو يترجم من اللغات الأخرى.. لكان مخلوقاً –كما زعمت المعتزلة المنحرفة في فكرها . ثم إن مثل هذه المصادفة جمعت بين بعض الأصوات ومعانيها ,في لغة , وبين أصواتها ومعانيها في لغة أخرى.. وجمعت مثل هذه المصادفة, بشكل أكبر, بين أصوات كل لغة وأصوات اللغات اللأخرى, مع اختلاف المعنى , بمحض المصادفة – كما سنعرف التفصيل في الملاحظة التالية .
- إذنْ..خطأٌ مميت أن يُظَنّ أن القرآن المنزّل من عند الله- خالق البشر ولغاتهم- يترجم عن لغاتهم !!
- الملاحظة الثانية = أن كلمة ( جوييم ) لا يقابلها أو يماثلها في القرآن أو في الفصحى - كلمة ( أمّة – وأمم ) – بل يقابلها كلمة ( قوم – وأقوام ) – من دون أن يأخذ القرآن من أيّ لغة على وجه الأرض, لما أسلفنا -لأن بين الكلمة العبرية والكلمتين العربيتين ( قوم وأقوام) .. حروفاً مشتركة , وليست –أمّ وأمم لها أيّ علاقة-. وهذا التماثل أو التقارب , مثله يقع بين كلام البشر, في أيّ لُغتين – مثلاً.. نقول : إن كلمة ( cut) في الإنجليزية يماثلها في العربية : ( قطّ أو قطعَ) – صوتاً ومعنىً : فما الذي جعل الإنجليز يأتون بكامة تقارب كلمتىْ اللغة الفصحى, وليست إحدى اللغتين ترجمت عن الأخرى؟– وكذلك كلمة ( BOOK) – يقابلها في العربية ( بَكُّ ) أي : كتاب فالله تعالى يقول : ( إن أول بيتِ وُضِعَ للناسٍ – لَلّذي " ببكةَ " مباركاً وهُدَىً للعالمين ) – آل عمران – 96- فإن – ( بكة ) هي ذاتُ الكتاب المقدّس = القرآن الذي بدأ نزوله فيها ، ومضى ينزل ، خلال ثلاث عَشْرَة سنةً. و مما يؤكّد على أن – بكة – تعني : بلد الكتاب المقدس = القرآن ِ– . أنه ترادفت أسماء – الكتب المقدسة ، قبل هذا اللفظ ، وبعده .. ورد كتاب " التوارة " – الآية – 93- و- ملّة إبراهيم ، المودعة في صفحة – الآية – 95- وبعده .. جاء : آيات بيّنات = مقام إبراهيم – الأية – 97- والحال أن ذلك مَحْضُ مصادفة .
- ولذ لك .. فليس تشابه ألفاظ في العربية مع ألفاظ في العبرية – دليلاً – على أن العربية والعبرية ..أخذت إحداهما من اللأخرى, وإنما الأمر محْضُ مصادفة . فكيف –إذنْ.. يقع في عقل عاقل بارئ من الهوى- أن القرأن يأخذ من لغة بشريّة؟ ( مع إدراكنا لقيام تقارض للألفاظ , أحياناً, بين اللغات ). بل أقول شيئاً أبعدَ من هذا .. وهو أنه ليست العربية والعبرية .. لغتين " ساميتّين " تعودان إلى أمَّ سامية موغلة في القدَم – كما زعم كثير من الكتّاب في العصر الحاضر, مؤرّخين , ولُغويّين ,جرياً وراء زعْم قدّمه عالم نمساوي, فتابعوه عليه وعيون عقولهم مُغْمضة , وزعمٌ سبقه ورد في التوراة- . ويدل على ذلك أنّا أوردنا – آنفاً – لفظتين انجليزيتين متشابهتين صوتاً ومعنىً ، مع لفظتين عربيتين =إحداهما في اللغة والأخرى في القرآن = وليستا تعودان إلى أصل واحد - قطعاً. بمعنى أن كلّ اثنتين مشتقّتان من شبيهتيْهم .بل إن مؤلفاً ,هو الأستاذ عبد الرحمن البورينيّ توَهّم أن الإنجليزية متولدة من العربية !! ودليله : أنه وجد تقارباً في أصوات ومعاني – 1500-ألف وخمس مئة- كلمة في الإنجليزية في أحرف الهجاء الثمانية الأولى فقط .– مع أصوات ومعاني – 1500- كلمة في العربية – وهذا .. وهْمٌ حقاً . إذ – لا صلة ، في القديم بين العربية والإنجليزية .. و دليل آخر قويّ يُضاف إلى الدليل السابق، وهو : أن كل لغات الأرض – بينها نسبة من أصوات الحروف الأبجدية المشتركة – لا تقل عن – 60% - ونسبة من أصوات الكلمات مع اختلاف المعنى – لا تقل عن – 30% - ونسبة من أصوات الكلمات مع اتفاق المعنى – لا تقل عن 10% - لماذا ؟ - لأن الله الخالق .. خلق البشر على صورة عامّة واحدة ، وبجهاز للنطق واحد أو متقارب, لكن تجعل البيئة والمناخ – بعض التباعد بين الأشكال والألوان – وبين الملامح – وأجهزة النطق – مع قيام الاتفاق الأصلي بين بني الإنسان الذي يؤدي الى التشابه في أشياء كثيرة , منها بعض ألفاظ في اللغات .. أليس الناس متشابهين في العواطف والمشاعر والأحاسيس ؟ وفي أشياء أخرى كثيرة ...؟
- ومن هنا .. فإني أقرّر – كما ورد في كتابي : ( العربية الفصحى – مرونتها وعقلانيتها ، وأسباب خلودها ) – عمان / دار البداية – 2008م ) – أن الزعم بأصل – سامّيَ – لشعوب هذه المنطقة وهي : الجزيرة العربية ، وبلاد الشام والعراق – هو –خرافة..وبناءَاً على ذلك – بكون الزعم- أن لغاتها لغاتٌ ساميّة ترجع إلى " أمّ" واحدة – هو( خرافة ) أيضاً – أجلْ .. خرافة – لماذا ..؟ لأن لذلك دليليْن عند الزاعمين – وهميّيْن ,يسهل نقضُهما- بثلاثة أدلّة :
= الزعم الأول =ما ورد في التوراة– بأن أبناء نوح – عليه السلام – ثلاثة : هم : سام ، وحام ، ويافث- وأن شعوب الأرض توالدت منهم – هذا الذي ورد في التوراة..هو – خبر – لا دليل عليه . والخبر – كما تقول علوم البلاغة – يحتمل الصدق ، ويحتمل الكذب ، ولا يرجح وجهاً على وجه إلا الواقع الحيّ أو الدليل القويّ . ولا دليل على هذا الخبر .خاصّة أن التوراة كُتِب معظمُها بعد سيدنا موسى –عليه السلام- بستّ مئة سنة.. وهذا سبب أوّلُ.و يضاف إلى ذلك :
السبب الثاني- أن القرآن – لم يَرد فيه ذكر لأسماء أبناء نوح ، وأنهم ثلاثة . والحديث الشريف .. ليس فيه حديث – صحيح – بأسماء أبناء نوح .
اليسبب الثالث : أني قد تتبّعتُ التاريخ القديم ( كما أوردت التفصيل في كتابي الانف الذكر ) ، من خلال تاريخ العرب القديم المطوّل – لجواد علي . وقد عَرَض فيه إلى علاقة أهل هذه البلاد العربية – في القديم – وإلى صلاتها – بالروم ، واليونان والفرس .. فلم يذكر أن كتابَ تاريخ من كتب هؤلاء الأقوام .. ذكر أن العرب ، في الجزيرة العربية ، أو في العراق والشام .. كان جَدُّهم الأعلى هو : سام ابن نوح . بل لم يَرِدْ في – تاريخ اليمن – وهم ذوو حضارة قديمة ، كأهل العراق ، وأهل الشام .. أن دولةً من دولهم كانت تنسَبُ إلى جدّ أعلى ، اسمه : سام ابن نوح – ولم يفخر بمثل ذلك أحد ملوكهم ، والانتساب لابن نبيّ( لو صحّ اسنه) موطن للفخر ! بل – إن أحد القادة الرومان (= الإسكندر المقدوني ) الذي – غزا – الجزيرة العربية في القرن الثالث ، قبل الميلاد .. يسمّي مؤرخ حملته – الجزيرة العربية : --( العربية السعيدة ) , ولم يفخر بمثل ذلك أحد الملوك في الشام أو العراق .
- والزعم الوهميّ الثاني لليهود: بأن أحد أبناء –نوحٍ- عليه السلام –اسمُه –سام-: أن عالماً نمساوياً يهودياً .. اسمُهُ – أوغست لودفك شلوتسر – قال ، عام – 1781م – " نفرض" أن شعوب هذه المنطقة – سامية – تنحدر من – سام ابن نوح – وأنّ لغاتها لغات سامية , ولها " أمّ " قديمة ... ولكن هذا الرجل لم يَجد ولا دليلاً واحداً يدعم به فَرضيته , سوى حكاية تشابه أصوات معظم الحروف , و تشابه بعض الكلمات صوتاً- في أكثرها, وصوتاً ومعنى في أقلّها.. هذا التشابه الذي يقع مثلُه في كلّ لغات العالم –كما أسلفنا. وإن كل فرضية لا دليلَ عليها هي فرضية ساقطة . و نكرّر: الغريب أن اللغويين العرب المعاصرين اتبعوا هذا الرجل ، فصاروا يُرددون مصطلح – الشعوب السامية ، واللغات السامية . وأكثر غرابة أن المؤرخين العرب المعاصرين .. أخذوا يرددون هاذين المصطلحين ، من دون أن يسألوا أنفسهم : ما الدليل التاريخي على صحة أن أبناء نوح ثلاثة ، أحدهم – سام – هو جدّ سكان هذه المنطقة ، منذ القديم ؟! – لم يسألوا أنفسهم ، لأن – المغلوبَ مُولع بتقليد الغالب – كما قال المفكر = ابن خلدون . فلأن الذي فرض هذه الفرضية من ( الغرب ) الغالب .. قبلوها ، من دون نقاش ، بل – ولا تفكر ..!!
- أجل .. زعم اللغويون , ومنهم الدكتور –محمود فهميّ حجازي, أستاذ اللغة في جامعة القاهرة-بأن التقارب – بين لغات هذه المنطقة .. دليل على الأصل الواحد .. وقد سبق أن بيّنا خطأ هذا القول ( وفصّلناه في كتابنا الذي ذكرناه-,آنفاً– لأن تقارب أصوات الحروف ، وأصوات بعض الكلمات ، مع اختلاف المعنى ، وأصوات بعض الكلمات مع اتفاق المعنى ليس فيه دليل . لأن ذلك واقع بين كل لغات الأرض – أجلْ .. بين كل لغات الأرض – على تفاوت . إنما الذي يعيد مجموعة من اللغات إلى أصل واحد ، أو لغة واحدة – حقاً – كما هو التقارب ، في الحاضر بين الفرنسية ، والأسبانية ، والبرتغالية,والإيطالية ، والألمانية – لأن هذه اللغات منبثقة عن – أمّ – واحدة ، هي – الألمانية القديمة –و الذي يعيدها إلى أصل واحد – حقاً – هو : التشابه النحويّ – في بناء الجملة وتركيبها ، وفي إعرابها – وليس مجرّد التشابه في بعض أصوات الألفاظ ومعانيها, أو مجرّد التشابه بين الأصوات دون المعاني. ولغات منطقتنا العربية- التاريخية – هذه اللغات.. أصبحت معروفةً – الآن.. ليس منها ، ولا لغة تشابهُ العربية الفصحى في تركيب الجملة ، وتكاد كلّها تخلو من حركات الإعراب التي يقوم عليها بناء الجملة في العربية الفصحى . أمّا التشابُهُ في مظاهر = الصرف – فلا دليل فيه ، لأن هذا التشابه .. قائم بين لغات هذه المنطقة = وبين لغات الأرض كلها ، ومنها اللغات القديمة لهذه المنطقة . أليس – CUT – و- قطّ – بينهما تشابه صرفيّ , وهو محْض مصادفة ؟ومثلهما : BOOK- و- بَكٌّ- السابقتان ( وبكّ هي كلمة قرآنية)– ومثلهما مئات بل آلاف الألفاظ بين العربية والإنجليزية ؟- وبين كل لغة وأخرى في الدنيا.. بل بين القرآن وبين كل لغات البشر –بمحْض المصادفة- ليس أكثر .
- يضاف إلى هذا دليل ثانٍ.. أن كل حضارة – تخلق فكرها أو نظرتها للحياة والكون ، وتخلق كذلك لغتها . أما نعلم أن فكرالكنعانيّين ولغتهم و حضارتهم .. تختلف عن فكر الآراميّين ولغتهم و حضارتهم ؟ ومثلُهم حضارة الفينيقيين – أو حضارة الآشوريين ، في العراق ، أو السومريين أو البابليين ، أو حضارة اليمن في الجنوب ... بل – إن الحضارة الرومانية التي قد هزمت الأمة اليونانية وورثتها . خلقت لنفسها نمطها الحضاريّ . ولغتها الخاصة – بها ؟ بل إنها زمن اعتناقها المسيحية – حاربت فلسفة اليونان ، وآلهة اليونان ، وهدمت معابد اليونان.. الثالث– على الكذب ، في أن أبناء نوح ثلاثة : سام – جدّ العرب واليهود – وأهل العراق القدماء ، وأهل سورية القدماء – وحام جدّ إفريقية – ويافث جدّ الغرب – هو أن السبب ألوان البشر من سوادِ – وشقرة ، وبياض ، وصفرة .. تطبعها البيئة ، وليس الأصل البعيد . وإلاّ .. فمن أبو الملونين في الباكستان والهند ؟- ومن أبو الصفُر في الصين واليابان ...؟! – ومن أين للصينيين واليابانيين هذه الوجنات النائية ، والعيون الغائرة الضيقة ، واللحى الحُصُّ ..؟!
-والسبب الرابع.. إن طوفان نوح .. وقع في أهوار العراق ، أو في وادِ في تركيا .. لأن طوفان نوح لم يعممّ الأرض قطعاً ، بل كان في بقعة محدودة .. ولذا .. كان في الشرق الأقصى ، وفي أوروبة .. بشر ، قبل طوفان نوح ، وبعده ، ولم يسمعوا به مجّرد سماع -!! أمات كلّ هؤلاء الأقوام ، ولم يتناسلوا ، وانحصرت البشرية كلها في أبناء نوح – الثلاثة المزعومين ؟! – وعلى فكرة .. أكان نسلُ نوح كله ..أولاداً ؟ فمع من تناكحوا – إذن – حتى نسلوا هذه البشرية ؟! – أم تناكحوا مع السعالي والغيلان – إنه لزعم مَحْشوٌّ بالخرافة !!
- نخلص ، بعد كل هذه الأدلة ، أن تلقيب شعوب هذه المنطقة – بالشعوب السامية ، ولغاتها – باللغات السامية – هو خرافةٌ لا أصلَ لها ، وفرْيةٌ لا أساس لها ...و إذنْ .. لِيَقُلْ اليهود أنهم أبناء-سام –تبعا لخرافة التوراة, أمّا –نحن العربَ- فليس لنا جدّ- اسمه –سام – بالقطع.. وإنما جدّانا القريبان فهما : عدنانُ وقحطانُ .ومنهم العرب المستعربة أما جدّنا الأبعد , في الجزيرة وبلاد الشام وبلاد العراق.. فهو شيخ الجزيرة العربية , ولكنه موغل في القدم, قبلَ خمسة آلاف سنة أو ستّة آلاف. وهو أبو العرب العاربة.أمّا اسمُه ..فغير معروف .
- والملاحظة الثالثة- من الملاحظات الأربع التي ذكرناها ,أولَ هذا البحث-تعديلاً لأقوال المرحوم ناصر الدين الأسد.. أنه ليس صحيحاً أن النسبة في العربية .. هي إلى المفرد – لا الجمع . بل النسبة في العربية تأتي مع المفرد ومع الجمع – معاً- كما نوضّح, تالياً :
- أقول: القولُ بأن النسبة إلى المفرد – حسْبُ -هو ..رأي سيبويهِ ، وسائر البصريين –الذين اتّبعهم اللاحقون , وعيونهم معصوبة ,حتى هذه الساعة .. (وقد خالفهم الكوفيون بذلك ، فرأوا أنه تصحّ النسبة إلى الجمع ، عندما يستدعي المعنى ذلك . وقد وافق الكوفيين في الحاضر ، مجمعُ اللغة العربية ، في القاهرة . فقرر أن النسبة تأتي مع المفرد ، وتأتي مع الجمع ، حَسَبَ المعنى ). وهذا هو الصحيح .
.. أمّا الذي أوقع – سيبَويْه ، وجميعَ البصريين – بل والنحاةَ العرب ، حتى اليوم ، في هذا الخطأ الكبير بل الفادح- حقّاً .. أن الذي كان جُمِعَ من اللغة ، في أيامَهُ ( ت- 185هج) لم يزدْ على -80% - منها- ثمانين بالمئة . ولذا .. حكم على ما وصله من اللغة ( بل إن ما جمع من اللغة ، حتى اليوم لا يزيد على – 90% - أمّا العَشَرة الباقية .. فمتفرقة في لهجات العرب ، على طول البلاد العربية . وما أراها تقلّ عن ثلاثين ألفَ كلمة) .
-و الدليل على هذا الخطأ الفادح ..أن العصوراللاحقة.. قد حملت من النسبة إلى الجمع عشَرات الكلمات ، مثلاً : أحمد ابن شاكر – الكُـــتـُبيّ – نسبةً إلى الجمع – والزنانيري – الساعاتي – البرادعي – الجزائري – السوافيري – البداريني – الملائكي ... وكلها نسبة إلى الجمع – وكلها .. فصحى مما بقي من الفصحى بالعامية , ولم يُجمعْ في كتب النحو والصرف( والفارق بين الفصحى والعامية – بالدرجة الأولى هو حركات الإعراب ,فهما أختان ) . أقول : وفي النسبة من العجائب ما لا يحصى .. انظر : إلى أنهم ينسبون إلى – بيتَ لحْم – على تلحمى ّ– وإلى – بيت جالا – بجّــاليّ – أي: يحذفون الياء ، ويدغمون التاء بالجيم – وإلى – عين كارم – عِكرماويّ – بتفكيك التركيب ، وإعادة بنائه من جديد – وإلى – طول كرم: كرمي ّ– بحذف الجزء الأول كله ... فأين ما قررّهُ سيبويه من هذا.. أن النسبة ، في الاسم المركب ، تكون إلى الجزء الأوّل -فحسْبُ..؟ ثم تبعه النحاة العرب ، حتى اليوم ، بتسليم الغافلين . ( لي كتاب من أربعة أجزاء – عنوانه : رُؤَىً – نحْويّة وصرفّية – تجديدية – عمان /دار البداية – 2011م – عدّلتُ فيه هذه النسبة ,وغيّرت فيه – ثلث نحو سيبويه – إلى الأسهل والأيسر ، والأصحّ مفاهيمَ . وقد نسفت بعض مقررات النحو العربي – نفساً – بالدليل اللغويّ العقليّ ، وبتفعيل – الغاية اللغوية من النحو والصرف ) .
- والملاحظة الرابعة .. الأخيرة , على ما ورد من أفكار مخطوءة في الفقرة التي أوردتّها من نصّ حديث الأستاذ المرحوم الدكتور –ناصر الدين الأسد: تقول الفقرة: بأن – أمّيّ – هي نسبة إلى – الأمة – أقول : وهذا .. غير صحيح ، بالقطع . وسأوضح ذلك ، لاحقاً . ولكنني – الآن – أقول توضيحاً- لا بدّ منه : إنّ أوّل مَن قالوا : إن أمّيّ هي نسبة إلى أمّة ، منذ القرن الثامن عَشَرَ – الميلادي – هم المستشرقون .. وهذا خطأ طبعاً , كما سنعرف-!!- أتدري لماذا قالوا ذلك ؟- قالوا ذلك ، لينتهوا إلى أن النبيَّ – محمداً – (صلى الله عليه وسلم) – كان يجيد القراءة والكتابة ، ولذا .. فقول القرآن : ( الذين يتبعون النبيّ الأمي ) – الأعراف -157) – تعني ( عند المستشرقين ) أن هذه النسبة نسبة إلى – أمّة – والأمة ، عندهم ، تعني المجتمع الذي لا يعرف الأديان السماوية ، وإنما يعرف الوثنية . وإذن – محمد ( صلى الله عليه وسلم ) – الذي لا يعرف إلا الوثنية – أصلاً – ويجيد القراءة والكتابة .. درس التوراة والإنجيل ، وتبحر – فيهما – وإذن .. ليس ما جاء في القرآن إلا مأخوذاً مما جاء في التوراة والإنجيل وإلا .. فمن أين جاء لمحمد – هذا التشابه الكبير بين القرآن ، وبين التوراة والإنجيل ؟- وأقول .. وأكرّر القول :سبحانَ الله !! إن كل ذي عقل مفكر محايد .. لا بُدّ يدرك أن الأديان الثلاثة هي من عند الله تعالى ، وأن الله العادل هو الذي جعل المبادئ العامّة ، في الأديان الثلاثة ، واحدة ، مع تطوير في – التشريع – اقتضته الظروف . وإذن .. التشابُه ُ– بينها – في كثير من الأمور شيء بديهيّ وطبيعي ومعقول .فالله .. هو الله – وحْدَه ُ– ودينه واحد . ويدرك أيضاً كل ذي عقل مفكر محايد .. أن أسلوب القرآن المعجز .. لا يمكن أن يكون من لغة الرسول ، وهي معروفة, ولا ترجمةً من لغات الكتب السماوية السابقة عليه .لأن المقلّد – بتشديد اللام وكسرها – يهبط ، دائماً ، عن رتبة المقلد – بتشديد اللام وفتحها . فكيف يصحّ هذا الافتراء ، والقرآن معجز ومتفوقّ قطعاً , على كل كتب الدنيا؟؟–
.. والآن نعود إلى النسبة إلى – أمّة – فلا نسبة سليقيةً طبيعية لها ! كيف؟ أما تجوز النسبة مع كل كلمة ؟. أجَلْ .. نحن نستطيع ، دائما ، أن " نصنع " لكل اسم ذاتٍ .. نسبةً – صناعة نحْوية , بل صرفيّة. فننسب إلى أمة على أحد وجهين : أن نقول : فلان – أُمّاني – كجُمُّاني – لكثيف شعر الرأس . أو نقول : أمَّويّ – بضم الهمزة وتشديد – الميم المفتوحة – وتحويل التاء إلى واو – لا الى ياء ( إذْ .. لا يصحّ أن تبقى الياء وإلاّ .. التقت ثلاث ياءات . والعربية تكره توالي المتماثلات ، من أجل – الخفة ) وأن أُمّويّ .. نسبة ألى أُمّة- يختلف عن " أُمَوِي" – نسبةً إلى – أميّة – ومن هذه النسبة .. جاءت الدولة – الأموية , وإن أصل النسبة إلى – أمَيّة – هي : أمَيْوىّ – بضمّ الهمزة ، وفتح الميم ، وتسكين الياء الأولى ، وتحويل الثانية إلى – واوٍ مكسورة – تتبعها – باء النسبة المشدّدة . ( وإن أصل – الياء – المشدّدة في – أميّة – ياءان : الأولى .. ساكنة ، والثانية .. متحركة بالفتح . وهكذا . كل حرف مشدّد ) – ولكن ..حُذفت – الياء الساكنة – للتخفيف . أي : لجعل اللفظ خفيفاً في النطق .( والتخفيف مبدأ من مبادئ الصوت العربي, حرفاً وجملةً. ويقرب من ذلك – تربية – فأصل النسبة لها – تَرْبيَويّ – بفتح التاء ، وتسكين الراء ، وكسر الباء ، وفتح الياء ، وكسر الواو تتبعها – ياء – النسبة المشدّدة .. ولكن – للتخفيف – حذفتْ – الياء – المفتوحة – وفُتحت الباء المكسورة ، ليحصل التوازن مع حركة – الواو – المكسورة – أي : ليكون اللفظ .. خفيفاً ) – وتحويل – التاء في – أمّة – إلى واو- عند النسبة . وارد ، في مثل قولنا : ثوْروِيّ – فقد حوّلنا – التاء المربوطة – في ثورة – إلى – واوٍ – عند النسبة . وهي أصحّ من – ثوريّ – نسبةً إلى – ثورة – لأن – ثوريّ – يصبح لها معنيان : نسبةٌ إلى الثورة – ونسبة إلى – الثور . وكلما أمكن أن نتجنب أن تدلّ الكلمة على معنيين مختلفين .. كان ذلك هو المطلوب ، وهو الأولى . لأن الألفاظ – كما يقول الإمام عبد القاهر الجرجاني –
( حَدَمٌ للمعاني ) . أي : المعنى هو الذي يُولد اللفظ ، وليس العكس . وإذن ... يجب – وجُوباً – أن يخدم اللفظ المعنى ( ومن هنا .. كان قولنا السابق ، في الملاحظة الثالثة : إنه يُنسب إلى المفرد – وإلى الجمع – تبعاً للمعنى المقصود التعبير عنه ) .
- أمّا .. لماذا لم ينسبْ العرب الفصحاء إلى – الأمّة – نسبةً سليقية ؟- السببُ الأول – عدم الخفة , لو نسبنا لها كم سبق . والسبب الثاني هو الآتي : أننا لا نتصرف في أيّ كلمة – بالاشتقاق – إلا إذا استدعى المعنى الجديد الاشتقاق الجديد ، (والنسبة هي نوع من الاشتقاق الصرفيّ ) . والأمّة – باعتبارها كلمة عامّة غير مخصّصة .. فلا معنى جديداً مستخرجاً ، عند النسبة إليها ، لأن كلمة الأمة ليست مقتصرة على العرب ، حتى تتخصّص ، وإنما هي عامّة بين كل الأمم – إذْ ..نقول : الأمة العربية – الأمة التركية – الأمة الإنجليزية ... إلخ ( أمّا الجمع – أمَم – فينسَب إليه على – أمَميّ – كما بيّنّا أن النسبة تصحّ إلى الجمع – كما تصح إلى المفرد . وإنما قصرُ النسبة ، دائماً ، إلى المفرد .. فهذا خطأ – سيبويه – الذي تابعه عليه النحاة العرب ، بغفلة ، حتى اليوم . ولم يخرج على هذا الخطأ إلا ( الكوفيون، قديماً ، الذين لم يؤخذْ برأيهم هذا ( لأنهم لم يجمعوا نحوهم في كتاب – كما فعل البصريون – من خلال قلم سيبويه ) – وإلا مجمعُ اللغة العربية في القاهرة – كما سلف القول . أما ترى أن العرب الفصحاء لم ينسبوا,قديماً, إلى الكلمة ( قوم ) – لأن كل جماعة بشرية هي قوم – كما أن كل جماعة بشرية هي أمّة ؟! – غيرَ أن الناسَ = العربَ ( وغير العرب) – نسبوا إلى – قوم – في العصر الحاضر ، لأنها خرجت ، بمعنى جديد ، من العموم إلى الخصوص .. فقالوا : هذا .. رجلٌ قوميّ ، وأتَوْا منها بمصدر – صناعي – فقالوا : قومية . لأنها – بهذا المعنى الجديد ، أصبحت ، عند فريق من الناس كأيديولوجية ، فخرجت من المعنى العام إلى معنى خاصّ .. فصحّ، بهذا المعنى ، أن ينسبَ إليها – فكما نقول : هذا رجل بعثي ، وهذا شيوعي ، وهذا إخواني ، نقول = هذا قوميّ . لأن القوم تحوّلوا ، عند بعض البشر ، إلى أيديولوجية ، أو ما يشبه الأيديولوجية .
- إذن .. كلمة ( أمّيّ ) منسوبة إلى ماذا ؟- وقد بان أنها ليست نسبةً إلى – أمّة ؟- هي منسوبةإلى – أمّ – والنسبة إلى – الأمَّ – تعني عدم القدرة على القراءة والكتابة . وهكذا كان الرسول الحكيم المعصوم – نبيّاً أمّيّاً ، لا يقرأ ولا يكتب ، ولا يعلم أيَّ تفصيلات عن الكتب السماوية السابقة . وهنا ينشأ سؤال : لماذا النسبة إلى – الأمّ – تعني عَدَم القراءة والكتابة ؟- نقول : معلوم أن الأمّ هي تأتي بالمولود – ذكراً كان أن أنثى ، وأنه ، من البديهي ، (وليس –البدهي- لأن المسموع هو –بديهيّ- والسماع مقدّم على القياس, لأن القياس- أصلُه –سماع) أن المولود أوّل ما تضعه الأمّ .. لا يعرف القراءة والكتابة – وإنما يتعلمها ، إذ ا تعلمهما ، بعد أن يفصل عن أمَّهِ – بالفطام . وإذن .. عدم القراءة والكتابة ملتصقتان بالمولود ، ما دام لم يفصل عن أمه ، في مدة أعلاها سنتان ، قال تعالى : ( والوالدات يرضعْنَ أولادهنَّ حوْلين كاملينْ ، لمن أراد أنْ يتم الرضاعة ) ( البقرة – 233) . وإذن .. كانت الظروف والمعقول والطبيعي .. ان ينسحب لفظ – الأُمّيّ الذي يُمضي ,حياتَه, لا يقرأ ولا يكتب . وإذنْ.. شيء طبيعيّ أن يأتي معنى الأميّة للشخص ، من انتسابه إلى أمّه , أو الْتصاقه في الصغر، ولأنه, في عاميْه الأولين ،يكون تَـعَـلمُ القراءة والكتابة – فيهما – مستحيلاً – إلا من باب الاستثناء ، والقاعدة .. تأتي مما هو – عامّ لا مما هو استثناء . فإذا لم يتعلم الطفل ، بعد السنتين ، وطوال حياته.. القراءة والكتابة – ظلّت هذه الصفة ملتصقة به لا تفارقه . وهنا .. نذكر أنّ ما قالتْه معاجم اللغة العربية , ومنها -المعجم الوسيط- الذي وضعه –مجمع اللغة العربية في القاهرة – بأن –أُمّيّ -هي نسبة ألى –أُمّ- وكذلك إلى أُمّة..هو كلام خاطئ , في قسمه الثاني, لأن الأمة لا يُنسب إليها إلا نسبة صناعية – كما فصّلنا- توّاً .
- نخلص من هذه الملاحظات الأربع – أن مضمون هذه الفقرة يجانبه الصوابُ . وأن اعتمادنا على قوانين –فقه اللغة- لا مجرّد الأخذ مما ورد في كتب السابقين , من دون تدبّر أو تفكُّر أو تبصّر- هو الذي هدانا إلى كشف الغطاء عمّا ورد في تلك الفقرة من بُعد عن الصواب. وإن الحقّ فوق الجميع , وهو أوْلى بالأخذ به وباتباعه,( ذلك بأنّ اللهَ هو الحقُّ وأن من دونه الباطل...)-لقمان-30- . وجلّ من لايسهو. والله يهدي لنوره مَن يشاء .