أربَعُون مَضت وأنتِ في الغياب!
حيدر المجالي
13-09-2015 06:10 PM
أربعون مضت، وأنتِ في الغياب، يجرِفُني الحنين لجلساتك الهادئة، وإلى ضّمة في حُضنكِ الدافيء، وأتوقُ لقبلةٍ أطبعها على يديكِ الطاهرتين، وأتحرقُ شوقاً لرؤية بهاء محياكِ، فمشاعري يا نبعَ العطاءِ لا يحس بها غيري.. لم تَعد تُبِهُرني الأُغنيات، لكنّ أغنية سعدون جابر تشُدني .." يا أمي يا أم الوفاء، يا ريحة الجنة .." كلماتُها تُلهب مشاعري وتستمطِر مُقلتاي..
أحن إلى قهوُتك؟ فلم أعُد أشعرُ بِذاك المذاق، وأحِن إلى خبزكِ، وإلى مذاق طعامك الشّهي .. هذا الحنينُ يُشعُرني بإحساس مارسيل خليفة.. "أحن إلى خبز أمي، وقهوة أمي، ولمسة أمي .." فأصبح إيقاعُ الأغنية، يُرقِص قلبي الحزين، شوقاً وحنيناً. ما زلتُ أجلسُ على سَريرِكِ، وأستذكِرُ محاولاتي إضحاكك عبر (نُكته) والتي غالباً ما تبوء بالفشلِ، فقد أشتقتُ لقهقَهاتُك التي كانت تُزلزل قلبي نشوةً وفرحاً، وحين تضحكين تضحكُ الدّنيا .. كُنا نُراقِب خفقان قلبُكِ المنّهك، ونُحاولُ أن نتقمصَ دور الأطباء؛ ونعلمُ بأنكِ تُكابرين على أوجاعُكِ يا وَجعي، حينئذ لا يُمكنني البوحُ بِحُزني، فمهمتي ..كيف أُعطيكِ الأمل؟! أين دواؤك؟ اشتقتُ إلى ذاك الشراب من بعض الأعشاب والعسل، ما أطيب مذاقهُ، فهو من بين يَديكِ الكريمتين، فلم يَعُد أيّ دواء يَنفعُني بَعده.. ما أعظمكِ يا أُمي، وما أعظمَ عطاؤك؛ في ذروة الأوجاع، لا نغيبُ عن خاطِرُكِ لحظة، تسألين عن الحالِ والأحوال، تُوجهين، وتَضرعين إلى الله بالدعاءِ.. اللّهم أني أسالكَ الخير والفلاح والرشاد لفلِذات الأكباد .. بَذَلتِ الكثير، وقدمّت الكثير، تضحياتُك لا نُنكِرُها، فهي بلِا حدود ..
أما قلبُك الكبير، فكان بُستاناً يانعاً، نتفيأُ ظِلالهُ، ونَتَنسمُ عبَيرهُ، فيه نُفرِغُ ما في جُعبَتنا من هُمومٍ وأوجاع، وفيهِ نشعُر بالإرتِياح، سامحينا أيتُها الغالية، كنّا نُثقِلُ عليكِ بِما تنوءُ به الجبال.. لماذا استعجلتش الرّحيل يا أُمي؟ أَما تعلمينَ أنّني ما زِلتُ طِفلاً يحتاجُ حنانُكِ!! فلا يَغُرّنكِ تجاعِيدُ وجّهي، فمن غيرك يُؤنس وِحدتي؟!. غِيابُكِ أفقدني الإحساسُ بِكل الأشياء، وما عادَ لي توقٌ بهذه الحياة، لكنني سأُحاولُ الوفاء بِوعدي، سأقتربُ من الله أكثر، فهو وحده سيُلهِمُني الصّبر على الفراقِ، يا حَبيبتي.. وهو سُبحانه، سيُخففُ وجَعي؛ فهذه الدُنّيا بَعدك لا تُساوي ذرات تُراب. قيل لي يا نُورُ قلبي أنك إستشعرتِ وجُودي رغم موُتك؛ كنتِ مُغمضة العينين، لكنكِ نَظرتِ إلي، حينما دَخَلتُ عليكِ لأودِعك الوداع الأخير، فلم أشعر بتلك النظرة وقتذاك.. ما سِرُها؟ أتكون نظرة عتاب!! هل ثمّة ما تودين قوله لي؟! .. هذه ليست النظرةُ الأولى، فسبَقها نظراتٌ أخرى قبل الموت، لم أجد لها تفسيرا .. ذاتَ مساء شاهدتُك تُحدِّقين بي في غُرفةِ المُستشفى، لكنّكِ آثرتِ الصمت؛ أخالُك تعلمينَ بِموعد سفرُكِ إلى حياةِ الخلود.. أعلمُ كم أنتِ مُؤمنة بالله، وكم تُحبين الخالق، ورسُوله، فهو وحدهُ سُبحانهُ رؤوفٌ بِعبادهِ الصّالحين .. وعلاماتُ صلاحُك وتقواكِ بائنةٌ، نضرعُ إلية أن تكوني من هؤلاء إن شاء الله. لا أدري ما كنتِ قائلةً لي، لكنني فهِمّتُ الرسالة، سأبِر بكِ، بِدُعائي، في رِكوعِي وَسُجودي، وسأتصدقُ عنك ما أستطعت، لأنني لا أرتجي من هذه الدُنيا غير رِضا الله، ثم رِضاك.. لن أُضيعَ بُوصلتي بَعدكِ، فما لي من ملجأٍ ولا منجى ألا اليه جلّ في عُلاه.. رحِمَكِ الله يا أعزّ الناس رحمةً واسعةً، وأسكنكِ فسيح جنّاته، وحسُبنا قولهُ تعالى:"وبشّر الصّابرين الذين إذا أصابتهُم مُصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئكَ عليهِم صلواتٌ مِن ربّهِم ورحمة وأولئكَ هُم المُهتَدون".
Hmkarak70@yahoo.com