هل قانون الانتخاب الجديد تقدمي؟
د. اسامة تليلان
13-09-2015 02:08 PM
يساورني شك ان بعض اصحاب الآراء الذين انتقدوا الاحزاب على رأيها بأهمية بقاء القائمة الوطنية التي توفر للأحزاب فرصة للتنافس على مقاعد البرلمان انهم كانوا سيؤيدون هذا المطلب لو ورد في القانون، وربما كان البعض منهم اعتبره خطوة عبقرية وجبارة وقفزة اصلاحية هائلة للوصول الى برلمان يعتمد على الكتل البرامجية وعلى كتلة الاغلبية والاقلية. لكن بالحالتين مثل هذا الرأي لا يخدم القضية المطروحة.
ليس ذلك فقط ولكنهم وغيرهم من النخب لكانوا انخرطوا في الحياة الحزبية، واسسوا احزاباً جديدة ، لان القانون بات يوفر حوافز للأحزاب للوصول الى البرلمان، لا بل ان خارطة الاحزاب الحالية كانت ستتغير جذريا ولشهدنا قيام احزاب جديدة، وبرزت احزاب فاعلة وقوية.
ولا ادري ما سر الغضب من ان يكون للأحزاب رأي في قانون الانتخاب، هل كان هناك تفكير بخطوة أو بطولة تاريخية تتمثل بإصدار قانون لا يبدي احد رأيه حوله، ولا يأتيه الخلل من هنا او هناك.
هل القول بان القانون ورد به بعض الايجابيات الاجرائية لكنه افتقر من وجه نظر البعض الى تلك القفزة التي تحّدث وتطور الحياة السياسية في البرلمان والحياة السياسية بات من المحرمات والمعيبات.
هل من المتصور ان يصدر أي قانون دون ان تكون حوله آراء وافكار اخرى، وهل من الصحة ان تحدث هذه الحالة في بلد ديمقراطي، اليس الغاية من تبادل الآراء والافكار المتقابلة والمتجاورة وجدت لتثري القضايا الرئيسية المطروحة.
بكل الاحوال، لم يعد الرأي حول قانون الانتخاب والحكم عليه بلا معايير، كأن نقول نريد قانونا عصريا او ان هذا القانون تقدمي وهذا رجعي ، فبعد ضدور الاوراق الملكية النقاشية بمضامينها المتقدمة والمتطورة اكدت على ان الهدف الاساسي من عملية الاصلاح هو الوصول الى الحكومات البرلمانية التي تنبثق عن مجالس نيابية تقوم على اساس تبادل الادوار بين الاغلبية والاقلية، وهذا ما استقرت عليه النظام البرلمانية الديمقراطية، وبالتالي يكون المعيار للحكم الى أي قانون انتخاب مقدار ما يوفره من فرص للوصول الى هذا الهدف.
واذا ما اعتمدنا هذا المعيار كحالة نموذجية تتطلب مراحل قد تقصر او تطول ، واذا ما اخذنا كحالة تطبيقية مباشر ة لهذا القانون الاثر السياسي والاثر الاجتماعي والاثر الثقافي المتوقع ان ينجم عنه الى جانب النتائج المتوقعة عند تطبيقه ، يصبح الحكم على هذا القانون خارج دائرة الرغبات والامنيات والابعاد الشخصية والابعاد النفعية؟
وعندها سنقول ان هذا القانون حقق قفزة بمقدار معين باتجاه الهدف النهائي لعملية الاصلاح السياسي المنشودة في هذه المرحلة؟
في الاثر السياسي والنتائج المتوقعة:
السؤال الرئيسي : ما الفرق في الاثر السياسي بين القوانين السابقة وهذا القانون بالمخرجات النهائية، بمعنى هل هذا القانون سيوفر القفزة المطلوبة والمفقودة في البرلمانات السابقة؟ اي هل سيؤسس هذا القانون الى برلمان يستند إلى كتل برامجية تشكل بمجموعها منفردة أم مؤتلفة ثنائية الأغلبية والأقلية، وهنا تكمن الخطوة الجوهرية الأولى في العملية الإصلاحية وفي عملية الانتقال نحو الحكومات البرلمانية وفي كيفية الانتقال من برلمان يستند إلى الأفراد إلى برلمان يستند إلى كتل (الأغلبية والأقلية) الأصل فيها أن تكون منتخبة من الشعب وفق برنامجها.
وهل ستنقل او تؤسس ولو بخطوة مخرجات هذا القانون الاداء البرلماني الى ما هو مستقر في البرلمانات العالمية المستقرة على تبادل الادوار بين كتلة الاغلبية وكتلة الاقلية، أي الحكومة والمعارضة. وهل سيؤدي هذا القانون الى جعل البرلمان أكثر تمثيلا وأوسع سلطة وقدرة على مراقبة الحكومات والمشاركة الفعالة فيها وإضفاء الشرعية عليها. وهل سيؤدي هذا القانون الى تحفيز المرشحين لخوض الانتخابات بناء على برامج قوية وتحالفات جديدة.
اما على مستوى الاحزاب، هل سيحفز هذا القانون ولو بخطوة وجود تعددية حزبية وسياسية برامجية فاعلة وتحظى بالأهلية الاجتماعية والأهلية السياسية.
وهل سيعزز هذا القانون كما هو مستقر في التجارب الديمقراطية الى اعتماد النظام الحزبي كآلية انتخابية لتشكيل الأغلبية والأقلية، الأغلبية تحكم والأقلية تمارس الرقابة في إطار من التداول السلمي للحكومات.
في الاثر الاجتماعي والثقافي :
السؤال الرئيسي: ما الفرق في الاثر الاجتماعي وفي تعزيز الثقافة الديمقراطية بين القوانين السابقة وهذا القانون بالمخرجات النهائية.
بمعنى هل سيحفز هذا القانون الناخب الى اعتماد سلوك تصويتي جديد يدفعه للمقارنة بين البرامج المطروحة وليس بين الاشخاص المترشحين او يمكن ان يوفر تمرينا اوليا على هذه الخطوة، وهل هذا القانون سيكون محفزا لثقافة اجتماعية جديدة تدفع الناخب للتفكير بالمصالح الوطنية؟ وهل هذا القانون سيحد من الاستقطاب والتصويت على اساس العرق والقرابة والهوية ؟ وهل سيؤدي هذا القانون بصورة او اخرى للخروج من تركيز الناخب على البعد الاجتماعي الى البعد البرامجي، بكل ما يترتب على ذلك، ففي البعد الاجتماعي كما اخبرتنا التجربة مع القوانين السابقة، انه يغذي الشعور بالهوية الضيقة وفي ظروف معينة يصبح هذا الشعور مصدرا للاستقطاب الحاد في المجتمع. بينما في البعد البرامجي يتعزز الشعور بالهوية الوطنية وتتعزز فرص الاندماج المجتمعي والتنافس على المصالح الاقتصادية والسياسية.
وبناء على ما سبق يكمن القول انه اذا كان القانون الجديد سيسهم بتوفير 25% بالمئة مما سبق، عندها سنقول ان هذا القانون تقدم نحو الهدف المطلوب بهذه الدرجة، واذا لم يوفر أي منها فكيف سنحكم عليه انه اخذ خطوة واحدة بهذا الاتجاه. الكرة الان في معلب النواب وسنتابع كيف سيتم الحكم على القانون.