1243 مولودا "بلا نسب" في 14 عاما
13-09-2015 06:18 AM
تحقيق: نادين النمري
.. أربعة أعوام مرت، وما يزال مازن (اسم مستعار) يعيش الدوامة ذاتها، فيما يتلاشى بصيص الأمل لديه بإثبات نسب طفلته التي ولدت قبل الزواج.
يقول مازن لـ"الغد": "تقدمت عدة مرات لخطبة فتاة تربطني بها علاقة عاطفية، لكن أسرتها كانت ترفض في كل مرة، واعتقدت حينها أن إقامة علاقة مع الفتاة التي أحب ستكون الوسيلة لتحقيق غايتي في الزواج".
ويتابع: "ولدت طفلتي صيف 2012، ويوم الولادة سلمت نفسي مباشرة للجهات الأمنية واعترفت بأبوتي للطفلة، وتم توقيفي ووالدة الطفلة في السجن، فيما تم تحويل ابنتي لمؤسسة الحسين الاجتماعية".
ويزيد: "خلال وجودي في السجن تم عقد قراني على أم الطفلة، وبعد ذلك قمت بتوكيل شقيقتي ووالدتي لاستلام ابنتي من المؤسسة، وتم إطلاق سراحي وزوجتي، وبقينا في منزل الزوجية لمدة شهر ونصف، وبعدها عادت إلى أسرتها وانقطعت علاقتي بها".
ويضيف مازن: "منذ ذاك الحين وأنا أحاول إثبات نسب الطفلة، ورفعت قبل 3 أعوام دعوى أمام المحكمة الشرعية لتثبيت النسب لكن تم رد الدعوى، لأن المشتكي يجب أن يكون الأم وليس الأب، ما دفعني للتوجه لرفع قضية في المحاكم النظامية، لكن القضية ردت لذات السبب".
ويوضح: "ترفض زوجتي التي ما تزال على ذمتي أي تواصل معي، وأعلنت صراحة رفضها التوجه للقضاء لتثبيت نسب الطفلة، رغم أنني أمتلك كافة الوثائق، من عقد زواج وإقرار أبوتي لها، والشهادات أمام المدعي العام والمحكمة".
وتم تسجيل الطفلة باسم والدتها من قبل دائرة الأحوال المدنية، يقول مازن: "مع رفض الأم تسجيل الطفلة بات الخيار المتاح لإعطاء الأوراق الثبوتية اللازمة تسجيلها باسم وهمي، أي أن تكون مجهولة نسب، وفق ما أخبرني المحامي".
ويتحدث مازن بألم عن معاناته في أروقة المحاكم والمؤسسات الرسمية، حيث يذكر أن موظفا إداريا في إحدى المحاكم قال له بالحرف: "لديك طفلة غير شرعية وسعيد بنفسك، ألا تخجل أن تسجلها باسمك؟".
ويزيد: "نعم أخطات في حياتي كثيرا، وذنبي عند رب العالمين، لكنه ليس ذنب ابنتي، أريد تثبيت نسبها، أريد إعطاءها اسم أب وجد وعائلة، أريد أن أحفظ لها كل حقوقها".
وعلى الرغم من أن قانون الأحوال الشخصية للعام 2010 فتح مزيدا من الأبواب لحل إشكاليات إثبات النسب، خصوصا للأطفال المولودين خارج إطار الزواج، لكنها تعديلات لا تشمل كل الحالات.
ورغم أن القانون اعترف بالوسائل العلمية لإثبات النسب، لكنه اشترط اقترانها بالزواج، الأمر الذي يجعل تثبيته صعبا بالحالات التي يرفض فيها أحد الشريكين الزواج، او عدم رغبة أحد الوالدين بتثبيت النسب أو تحريك الدعوى.
عثمان (اسم مستعار)، انجب قبل نحو عام طفلا من علاقة مع عاملة آسيوية، وسافرت العاملة إلى بلدها بعد أن تنازلت عن الطفل، ومنذ ذاك الحين يحاول الأب إثبات نسب الطفل له.
وتكمن إشكالية عثمان بعدم وجود عقد زواج يربطه بوالدة ابنه، رغم إجرائه فحص DNA الذي أثبت أبوته للطفل، الأمر الذي جعل المحكمة ترد الدعوى، فحاول عثمان احتضان ابنه عن طريق برنامج الأسر البديلة، لكن لعدم انطباق شروط البرنامج عليه تم رفض طلبه.
ويقيم الطفل حاليا بدار رعاية، فيما يسعى عثمان لتحريك دعوى إقرار نسب، يأمل عثمان أن ينجح في اقراره خصوصا بعد ان تمكن من إثبات مغادرة والدة الطفلة البلاد.
ورغم أن حالتي مازن وعثمان تظهران رغبة الأبوين في احتضان طفليهما، لكن في غالبية الحالات، وبحسب القائمين على الملف، فإن عدم تثبيت النسب يكون نتيجة لرفض أو تهرب الأبوين من استكمال إجراءات تثبيت النسب.
عبد الرحمن (اسم مستعار) الذي يبلغ من العمر اليوم ثلاثين عاما، هو أحد أولئك الضحايا الذين رغم معرفتهم بوالديهم لكنهم لم يتمكنوا من تثبيت نسبهم.
قضى عبد الرحمن حياته في إحدى دور الرعاية تحت مسمى "مجهول نسب"، وبعد تخرجه من دار الرعاية تقدم بطلب لمعرفة هوية والديه، وحصل على اسم والدته وتمكن من التواصل معها.
يقول: "لم يكن التواصل مع والدتي سهلا، كانت قد تزوجت وبدأت حياة جديدة، وكان التواصل بيننا سريا دون علم زوجها وأبنائها، وعرفتني باسم والدي، فتوجهت للقائه لكنه رفض استقبالي، وطردني وأنكر نسبي له".
ويتابع: "حاولت الحصول على مشورة قانونية لرفع دعوى إثبات نسب على والدي، لكن كونه لم يكن هناك إقرار من قبل الأب بالنسب، ولعدم وجود عقد زواج، فالقضية خاسرة".
ويضيف: "المؤلم أنهما تمكنا من المضي قدما في حياتهما، لكني أنا من يدفع الثمن".
ومقابل ذلك، يبدو سعيد والذي طرحت قضيته في جلسة حوارية لمجموعة الميزان لحقوق الإنسان حول "الأطفال فاقدي الروابط الأسرية وحقهم في النسب"، أوفر حظا، فسعيد (اسم مستعار)، تمكن من إثبات نسبه لوالده ووالدته بعد 25 عاما من ولادته، حيث ساهم قانون الأحوال الشخصية الجديد في تمكنه من ذلك.
حملت والدة سعيد به قبل الزواج، وبهدف الإفلات من العقوبة أقدم الأب على الزواج منها، لكن بعد إنجابها، عمد أحد أفراد أسرة الأم إلى قتلها، فأودع سعيد دارا للرعاية، ورفض الأب الاعتراف بنسب الطفل له، وعاش حياته بصورة طبيعية بعيدا عن ابنه، ثم تزوج لاحقا وأنجب ثمانية أطفال.
وبعد نزاع لمدة عامين في أروقة المحاكم، تمكن سعيد من انتزاع حكم قضائي يثبت نسبه لوالده ووالدته، وتم تغيير الاسم الرباعي، من اسم والدته إلى اسمه الحقيقي، بإضافة أسماء والده وجده وعائلته.
ويشكل حرمان الطفل من معرفة والديه وحقه بنسبه إلى والديه، "انتهاكا" لحق الطفل في الاسم ومعرفة والديه، وهي حقوق واردة في الاتفاقية الدولية.
وفي تقريره السنوي الأخير لحالة حقوق الإنسان في الأردن للعام 2014، طالب المركز الوطني لحقوق الإنسان بضرورة تعديل البنود المتعلقة بإثبات النسب لتتوافق مع الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل.
وتنص المادة 7 من الاتفاقية: "يسجل الطفل بعد ولادته فورا، ويكون له الحق باكتساب الجنسية، والحق قدر الإمكان بمعرفة والديه وتلقي رعايتهما".
حالات متزايدة للأطفال غير المثبت نسبهم
بحسب إحصائية رسمية لوزارة التنمية الاجتماعية، حصلت عليها "الغد"، فإنه خلال خمسة أعوام (2010-2014) بلغ عدد حديثي الولادة غير المثبت نسبهم الذين دخلوا إلى مؤسسة الحسين الاجتماعية، 495 رضيعا، منهم 144 مجهولو الأبوين، و351 طفلا مولودا خارج إطار الزوجية (معروف الأم).
وتظهر الإحصائية ارتفاعا مستمرا بأعداد الأطفال المولودين خارج إطار الزوجية، إذ بلغ عددهم العام 2010 نحو 69، أما العام 2011 فبلغ 70، وفي 2012 بلغ 71 ، والعام 2013 بلغ 73 طفلا، فيما انخفض العدد في 2014 الى 68 طفلا.
أما أعداد الأطفال مجهولي الأبوين، فشهدت اختلافا بين عام وآخر، ويعزى هذا الاختلاف إلى أن "العدد المحتسب هم الأطفال الذين يدخلون المؤسسة وهم أحياء، خصوصا أن نسبة 20 % من هؤلاء الأطفال يلقون حتفهم قبل العثور عليهم لأسباب تتعلق بعوامل الخطورة المرتبطة بالتخلي عنهم"، بحسب مصادر أمنية.
ووفقا للإحصائية المذكورة، دخل إلى مؤسسة الحسين العام 2010 نحو 29 طفلا مجهول الأبوين، وذات العدد العام 2011، ثم انخفض العام 2012 ليصل إلى 25، فيما بلغ العام 2013 نحو 35، وعاد للانخفاض في 2014 إلى 26 طفلا.
ويقدر الناطق باسم وزارة التنمية د. فواز الرطروط متوسط أعداد الأطفال فاقدي الروابط الأسرية (المولودين خارج إطار الزوجية واللقطاء)، الداخلين إلى دور الرعاية في الفترة بين 2000 و2009 بنحو 75,5 طفل سنويا، مقابل 99.5 طفل سنويا في الفترة 2010 و2014.
ويقدر إجمالي أعداد الأطفال الذين لم يثبت نسبهم عند الولادة نحو 1243 طفلا، خلال الفترة من العام 2000 لغاية 2014.
ومقابل ذلك، تشير أرقام رسمية لوزارة التنمية، إلى أن عدد الأطفال الذين تم إثبات نسبهم وتسليمهم لأسرهم البيولوجية في الفترة ما بين 2013 و2015 بـ35 طفلا موزعين كالآتي: 6 أطفال في العام 2013، مقابل ارتفاع كبير العام 2014 ليصل إلى 21، ثم عاود الانخفاض العام 2015 ليصل إلى 8 أطفال، تم تسليم 6 منهم إلى أسرهم.
وتعذر الحصول على إحصائية الأطفال الذين تم تثبيت نسبهم في الأعوام 2010، 2011 و2012، لكن الأرقام للأعوام بين 2013 و2015، تظهر ارتفاعا ملحوظا في عدد الحالات التي تم بها تثبيت النسب.
ويبين الرطروط أنه مقارنة بين العامين 2013 و2014 تضاعف عدد الأطفال الذين أثبت نسبهم بنحو مرتين ونصف، نظرا لتقديم الوزارة وشركائها المساعدة القانونية لمتلقي خدماتها.
آليات الحماية والرعاية للأطفال
وحول آلية التعامل مع هذه الفئة من الأطفال، توضح مديرة مؤسسة الحسين الاجتماعية نزيهة شطارات: "الأطفال مجهولو الأمهات والآباء يتم تحضينهم لأسر بديلة بعد مرور فترة 3 أشهر على دخولهم المؤسسة، ورغم إجراء فحص DNA للرضع لكن إمكانية ظهور والدي الطفل البيولوجيين في هذه الحالات تكون نادرة جدا، وبالتالي غالبا لا يتم إثبات نسبهم".
وتتابع: "قضايا اثبات النسب تتعلق غالبا بالأطفال معروفي الأمهات ومجهولي الآباء".
وتبين: "في الحالات التي يتم فيها الزواج لاحقا بين الأب والأم، تستغرق عملية إثبات النسب بين 3 إلى 4 أشهر"، مشددة على أن "الإجراءات قد تتطلب وقتا أطول في حال لم تكن المتابعة جدية من الطرفين".
وتزيد: "في حال عدم رغبة أحد الوالدين أو كليهما في إثبات نسب الطفل واستلامه، فإنه وبعد إقرار عدم الممانعة من الأم، يتم تسليم الطفل إلى أسرة راعية بديلة ضمن برنامج الدمج الأسري".
وبحسب أرقام المؤسسة، تم خلال العام 2014 تسليم 23 طفلا ضمن برنامج الدمج الأسري، في حين استفاد 15 طفلا من البرنامج العام الحالي، فيما يشكل البرنامج الذي بدئ بتطبيقه قبل نحو 3 أعوام، خطوة مهمة لتوفير الأجواء الأسرية، وتحديدا للأطفال الذين لم تكن تنطبق عليهم سابقا شروط الاحتضان، أي فئة معروفي الأمهات.
وتشير الشطارات إلى أنه "بالنسبة للأطفال الذين يتخلى عنهم ذووهم، تعمل المؤسسة على استصدار الأوراق الثبوتية اللازمة للطفل، ويمكن ان ينقل الطفل إلى مؤسسات رعاية أخرى، كقرى الأطفال"، مبينة أن "نسبة الأطفال من هؤلاء إلى مجموع أطفال مؤسسة الحسين يبلغ 30 %".
أما الخيار الأخير في التعامل مع الأطفال مجهولي الآباء تحديدا، الذين تكون أمهم من جنسية أجنبية، فتتمثل بتسفير الطفل مع والدته إلى وطن الأم، لافتة إلى أن الغالبية العظمى من أبناء الاجنبيات يتم تسفيرهم مع أمهاتهم، باستثناء عدد قليل من الحالات.
وكان تحقيق نشرته "الغد" حول أبناء العاملات الأجنبيات المولودين خارج الزواج، كشف عن أن هذه الحالات تتطلب وقتا طويلا يتراوح بين 4 أشهر وأحيانا عامين لحين استكمال الإجراءات القانونية، كما أنه في أحيان أخرى ترفض الأم الأجنبية استلام طفلها لأسباب شخصية او اجتماعية، كأن تكون متزوجة ببلدها.
الأطفال وحدهم يدفعون الثمن
تستقبل قرى الأطفال نسبة كبيرة من الأطفال فاقدي الروابط الأسرية، ويقضون أعوام حياتهم في القرى دون أي تواصل مع ذويهم.
تقول مديرة قرى الأطفال لينا مولا: "من خلال خبرتنا في العمل مع الأطفال، نلمس مدى الضرر النفسي الكبير عليهم جراء تخلي والديهم عنهم، وغالبا ما يسيطر موضوع الهوية على الأطفال خصوصا في سن المراهقة، ليصبح الهاجس الرئيسي لديهم".
وتتابع: "تتكرر ذات الأسئلة: من أنا؟ من هم والداي؟ لماذا تركاني؟ وقليلون هم الأطفال غير معروفي النسب، والغالبية منهم نسبهم معروف وموثق في ملفاتهم، إما اسم أحد أبويهم أو كليهما، وعادة ما تكون الأم هي المعروفة".
وتزيد: "للأسف، فإن نسبة الأهالي الذين يسعون لإثبات النسب قليلة، وخلال فترة عملي شهدت بعض الحالات، حيث بادر الأبوان أو أحدهما الى السير بإجراءات تثبيت النسب، لكنهما يتراجعان لاحقا نتيجة للصعوبات التي يواجهونها".
وتوضح مولا: "الأم هي الضحية الأولى في مجتمع ذكوري يحاول بشتى الطرق الدفاع عن المجرم الذي تسبب بالأذى لكل من الأم وطفلها، وتركهما يعانيان طول حياتهما".
وترى أن "هذا هو السبب الرئيسي الذي يفرض على الأم هجر طفلها، حيث تجد نفسها وحيدة دون سند، فلا غنى عن التخلص من الوصمة الاجتماعية، وهنا تبدأ معاناة الطفل منذ لحظة ولادته، حيث يسجل كرقم منسي في ملف يحفظ في الأدراج الى أن يبلغ سن الوعي والإدراك، ثم تبدأ رحلة المعاناة في البحث عن الذات والهوية، ورحلة الدفاع عن حقه في الحياة".
وتزيد: "غالبية الأطفال فاقدي السند العائلي تكون أمهاتهم وأباؤهم معروفين، فالأم معروفة بالولادة، والأب تثبت أبوته بفحص البصمة الوراثية، لكن المشكلة تكمن في أنه غالبا لا يتم إثبات نسب الطفل لوالديه قانونا، فيبقى تحت مسمى "مجهول نسب" وهو تعبير بحد ذاته قاس وظالم".
من جهتها، تبين مديرة مجموعة ميزان إيفا ابو حلاوة، أن "مسألة إثبات النسب غاية في الأهمية وترتبط بكرامة الإنسان، وتتبعها حقوق أخرى، كالحق في النفقة والسكن والميراث والرضاعة، فإذا لم يتم التثبيت تضيع حقوق كثيرة، وبالتالي لا يفترض أن تترك المسألة رهنا برغبة الوالدين أو أحدهما".
وتقول: "في عديد من الحالات يهدر حق الطفل، إما بسب عدم رغبة الأم بتحريك دعوى أو تنصل الأب وإنكاره للبنوة".
وتتابع: "يتعامل قانون الأحوال الشخصية مع النسب على أنه حق للأم أو الأب، لكن واقع الحال أنه حق للطفل"، معتبرة أنه: "ليس من المنطق أن يفقد الطفل هذا الحق لمجرد أن الأب أو الأم لا يريدان تحمل المسؤولية".
"الأحوال الشخصية".. مرونة لا تعالج كل القضايا
يقول مفتش المحاكم الشرعية القاضي الدكتور أشرف العمري، إن "قضايا إثبات النسب تعد من أكثر المواضيع حساسية، خصوصا جراء أبعادها الشرعية والاجتماعية والحقوقية، ويتم التعامل مع كل حالة على حدة، وفقا لخصوصيتها بما ينسجم مع قانون الأحوال الشخصية".
ويؤكد أن "قانون الأحوال الجديد وفر آليات أكثر مرونة للتعامل مع هذه القضايا، إذ إنه يمكن لأي شخص متضرر اللجوء إلى المحكمة لإثبات النسب".
وحول الانتقادات الموجهة للقانون، باعتبار أنه يحصر إثبات النسب بالوسائل العملية، كالإقرار أو الزواج، يقول العمري: "علينا التمييز في قضايا إثبات النسب، فقبل العام 2010 كان يتم العمل بقانون 1976، وكانت الأحكام مقيدة لإثبات النسب أو نفيه، والتي غالبا ما تعود إلى المذهب الحنفي، ولم يكن في القانون القديم ذكر للوسائل العلمية الحديثة، كما أنه كانت هناك أحكام قضائية مستقرة بعدم إثبات النسب في حال كان الطفل نتيجة الزنى المصرح به، وإن كان هناك إقرار من قبل الأب".
ويتابع: "في قانون الأحوال الشخصية للعام 2010 المطبق حاليا، من أهم التعديلات التي طرأت عليه تلك المتعلقة بأحكام النسب نفيا أو إثباتا، إذ تغيرت آلية التعامل بشكل كامل، فهناك نص واضح في الاجتهاد، كما أن القانون يعالج قضايا لم يكن يعالجها القانون السابق".
ويبين: "فيما يخص الأم يثبت النسب للأم بالولادة، بغض النظر عن حالة الحمل، سواء كانت نتيجة زواج صحيح أو فاسد أو باطل أو وطء بشبهة أو وطء محرم"، مبينا أنه "بالتالي لا توجد أي إشكالية قانونية وشرعية فيما يخص إثبات نسب الطفل لأمه".
وأما إثبات النسب للأب، فيوضح: "يتم إثبات نسب الطفل لأبيه بحسب المادة 157 من القانون بأربع طرق مختلفة: أولا فراش الزوجية (الزواج الصحيح)، بمعنى أن يولد المولود بين زوجين وضمن المدة المعتبرة لثبوت النسب حكما، وهي أقل مدة للحمل (6 أشهر من تاريخ إجراء العقد)".
ويتابع: "ذات الامر ينطبق في حالات الزواج الفاسد والوطء بشبهة، فإن النسب في هذه الحالات يثبت حكما".
ويمكن أيضا إثبات النسب بالإقرار الشخصي، مثلا أن يكون الطفل قد ولد بعد أقل من ستة أشهر على عقد الزواج، فإذا كان هناك إقرار من الأب بنسب الطفل يتم نسبته إليه.
ويلفت العمري إلى شروط حددها القانون فيما يخص إثبات النسب بالإقرار، وهي أن "يكون المولود حيا مجهول النسب، وأن لا يكون وسيلة للتحايل لتبني الطفل، وأن يكون فارق السن بين المقر والمقر له يحتمل صحة هذا الإقرار، وأن يصدق المقر له البالغ العاقل المقر".
ويقول: "يمكن كذلك ثبوت النسب بالبينة، ومن صورها البينة على الإقرار السابق أو البينة على تولّد الصغير على فراش الزوجية وغير ذلك، أما الوسيلة الأخيرة لإثبات النسب فهي ثبوته بالوسائل العلمية القطعية، مع اقترانها بفراش الزوجية، ومن المتاحة منها فحص البصمة الوراثية DNA ، أو أي وسيلة يثبت العلم أنها قطعية".
ويشرح العمري "في حالات حصول الحمل أو الولادة قبل الزواج، فانه يتم اعتماد فحص DNA لتثبيت نسب الطفل، ويلزم الاب بنسب الطفل حتى وإن لم يكن هناك اقرار طالما اثبتت الوسائل العلمية ذلك".
وحول التوسع في مسالة اثبات النسب عبر اعتماد فحص DNA، يوضح العمري "البعض يطرح مسألة التوسع في اثبات النسب عبر الوسائل العملية وتثبيت نسب الطفل للاب البيولوجي، لكننا لا نستطيع تطبيق ذلك تحديدا في قضايا زنا المحارم".
ويشير العمري إلى "اشكالية اخرى تتعلق بإثبات النسب كان يكون الطفل مولودا لام متزوجة من شخص اخر غير الأب".
ويقول: "من واقع خبرة عملية فإن هذا النوع من القضايا، نظرا لحساسيته والأبعاد الاجتماعية، الأفضل أن يقوم الأشخاص ذوو العلاقة بالسير بإجراءات إثبات النسب في وقت مبكر من عمر الطفل، لتسهيل تكييف الطفل والعائلة الممتدة مع الوضع القانوني الخاص بالطفل".
ويتابع: "أحيانا لا يسعى أي من الوالدين لإثبات نسب الطفل، أو يبقى الطفل بعيدا عنهما بدور الرعاية، وذلك نتيجة للأبعاد الاجتماعية".
من جانبها، تقول المحامية هالة عاهد: "رغم إيجابية بعض تعديلات قانون الأحوال، فيما يخص إثبات النسب، لكنه لا يعالج كل قضاياه، وما يزال يقرن استخدام الوسائل العلمية بالزواج أو بشرط إقرار الأب".
وتضيف: "الأصل في قضايا إثبات النسب هو تحقيق المصلحة الفضلى للطفل، بالتالي فإن هذا الإجراء يجب أن يتم بتحريك شكوى فورية لإثبات النسب، وليس ربطه برغبة الأم أو الأب أو بوجود عقد زواج أم لا"، مشددة على ضرورة عدم إعطاء أي ذريعة لأي طرف في العلاقة من التهرب من الالتزامات تجاه الطفل.
وتوضح أبو حلاوة أن "إثبات النسب يحتاج لإقامة دعوى، والطفل ليس له الأهلية لإقامة الدعوى في حال تنصل والديه من المسؤولية، ويجب إيجاد جهة تتولى الوصاية على الأطفال، وتتابع هذه القضايا".
وحول ذلك يوضح العمري: "يوجد العديد من حالات الأطفال المسكوت عنها ولا تصل للمحاكم، لعدم التقدم بدعوى من قبل الوالدين، لكن المحاكم ليست جهة ادعاء، بل تنظر بالقضايا المحولة إليها".
ويقول: "رغم ذلك، وفر قانون الأحوال الشخصية منفذا للتعامل مع هذه الحالات، وبموجبه يمكن للمحكمة أن تعين وصيا مؤقتا للطفل لرعاية مصالحه، وتحريك شكوى بهذا الشأن، خصوصا أن الحق في النسب يعتبر من الحقوق الأساسية للأولاد، بموجب القانون".
وبحسب الباب السادس من قانون الأحوال الشخصية، فإن النسب "حق من حقوق الاولاد والأقارب"، في حين تنص المادة 224 على "إذا لم يكن للقاصر وصي مختار أو جد لأب أو وصي مختار من قبله، يعين له القاضي وصيا لإدارة شؤونه، مراعيا في ذلك مصلحة القاصر".
يقول العمري: "بموجب هذه الوصاية المؤقتة، يمكن تحريك شكوى إثبات نسب للطفل، وإن لم يحركها الوالدان".
غير أن العمري يلفت الى ضرورة مراعاة الظرف في هذه الحالات وحساسية الموقف، وتحقيق الموازنة بين المصالح والمفاسد، فضلا عن إمكانية وجود خطر على حياة الطفل أو المرأة في حال بقي الطفل في محيط أسرته البيولوجية.
من جهتها، ترى عاهد أن "الحساسية الاجتماعية لهذه الحالات معروفة، وبالتأكيد فإن تثبيت النسب يختلف عن تسليم الطفل لأسرة قد تشكل خطورة عليه".
وتقول: "في عديد من الحالات يجب سحب الطفل من محيطه العائلي في حال كان ذلك يشكل خطرا على حياته، لكن يجب على الأقل ضمان حق الطفل في اسمه ونسبه، والأمران هنا مختلفان".
دعوات لتعديل القانون وتغليب مصلحة الطفل
ولمواجهة اشكاليات إثبات نسب الاطفال المولودين خارج الزواج، يدعو تقرير المركز الوطني لحقوق الإنسان، إلى تعديل قانون الأحوال الشخصية فيما يتعلق بحق النسب، خصوصا أن نحو 47 % من الأطفال في دور الرعاية هم أطفال معروفو الأمهات ومجهولو الآباء.
وحول ما إذا كانت وزارة التنمية تسعى لتعديل القانون، يقول الرطروط إن "صاحب الولاية في مراجعة القانون هي دائرة قاضي القضاة، والوزارة، في حال شكلت لجنة لمراجعة القانون، ومثلت فيها، سنطرح موضوع إثبات النسب بالطرق العلمية، بشكل يتواءم والشريعة الإسلامية"، مؤكدا في ذات الوقت أن "مصلحة الطفل الفضلى تتحقق بإثبات نسبه".
فيما تؤكد عاهد أهمية تعديل القانون "والتوسع باستخدام الوسائل العلمية، وأن لا يكون الزواج شرطا لإثبات النسب"، ما "يساهم بالحد من العلاقات خارج إطار الزواج، على عكس الفكر السائد".
وترى أن "إجراءات من هذا النوع تعني أن أي شخص قبل الدخول في علاقة مع امرأة، سيدرك أنه سيتحمل كامل المسؤولية تجاه المرأة والطفل الناجم عن العلاقة".
كما تدعو الى تدريب القضاة الذين يتولون هذه القضايا لضمان إنجازها بأسرع وقت، وللتعريف بخطورة عدم إثبات نسب هؤلاء الأطفال من ناحية حقوقية، ولجهة أخرى تتعلق بضرورة منع اختلاط الأنساب.
وتتفق مولا مع عاهد، وتقول: "للأسف فإن الحلول التي تضعها الدولة حتى الآن في موضوع فاقدي السند العائلي لا يؤخذ فيها مصلحة الطفل الفضلى"، معتبرة أن الحل يكمن في "مسح الغبار عن ملفات هؤلاء الأطفال، والبحث عن عائلاتهم الحقيقية".
أبو حلاوة تبين أن "مراجعة سياسات إثبات النسب، وإقرار قانون خاص بحقوق الطفل، يفصل الحق بالبنوة والنسب وكافة حقوق الأطفال تجاه الوالدين أو الجهة مقدمة الرعاية، تعد متطلبا أساسيا ايضا".
وتدعو لإيجاد جهة مسؤولة تتابع مصلحة الطفل الفضلى، عندما يُتخلى عنه، أو حال النزاع بين الأهل والطفل، على غرار النيابة العامة التي تمثل الحق العام بالقضايا الجزائية.
مولا تقول: "اعتماد فحص DNA سيحل جزءا كبيرا من مشاكل الأطفال المولودين خارج إطار الزوجية"، لافتة في ذات الإطار إلى أن "اعتماد إجراء من هذا النوع يعني تحميل الشريكين مسؤولية أفعالهم، ليس جزائيا فقط بل اجتماعيا أيضا".
وتبين مولا: "كثير من الدول العربية اوجدت حلولا للأطفال خارج إطار الزوجية، وذلك باعتماد فحص البصمة الوراثية، شرط تسجيل الطفل باسم والديه فيما لو ثبت النسب، ولا يشترط على الأبوين الاحتفاظ بطفلهما، إذا لم تكن ظروفهما تسمح بذلك، بحيث يدخل الطفل لدور الرعاية، لكنه يحتفظ بنسبه".
عن الغد.