شظايا الزلزال وصلت الينا .. !!
حسين الرواشدة
13-09-2015 03:14 AM
اخشى ما اخشاه ان نتفاجأ - على غفلة منا - بوصول عدوى الصراعات على الهوية التي اصابت المنطقة من حولنا الى بلدنا.
ما حدث في الاسبوعين المنصرفين كان مخجلا : اولا لاننا انشغلنا بسجالات حول قضايا صغيرة كان يمكن ان تحسم على الفور قبل ان يتطوع البعض بالنفخ فيها واستغلالها بهذا الشكل المريب، وثانيا لاننا تجاهلنا اولويات كبرى مرت من تحت اقدامنا دون ان ندقق في اتجاهاتها وآثارها على بلدنا، وثالثا لاننا وقفنا مذهولين امام التغيرات الي طرأت على منظومتنا القيمية والاخلاقية دون ان نتذكر ان ما جرى في السنوات الاربع الماضية كان مجرد ارتدادات لزلزال كبير تفجر في منطقتنا ولم نسلم منه ، كما انه لم يخمد بعد.
حين ندقق في ردود افعالنا نجد اننا وقفنا متفرجين (صامتين: ادق) على قضايا تمس هويتنا السياسية ، ابتداء من انفتاحنا على اسرائيل بشكل سافر وصولا الى تركيبة السكان التي افرزتها الاحصائيات الاخيرة والتي بدت فيها خريطتنا الجديدة اشبه ما تكون بـ“الموزاييك” الديمغرافي لدرجة اصبح فيها الاردنيون لا يشكلون الا نحو نصف عدد السكان، وانتهاء بما يدور وراء الكواليس من تصورات وخطط حول مواقفنا مما يجري حولنا ، سواء في سوريا او العراق او ليبيا او اليمن، وهو ما لخصته السفيرة الامريكية في عمان حين ذكرت ان الاردن يخوض حربا طويلة وان ابواب مخازن اسلحتهم مفتوحة امامنا باستمرار.
في المقابل احتشد البعض للدفاع عن هوية مجتمعنا الدينية والثقافية بعد ان صدمتنا “ايحاءات “ جنسية في احد البرامج التلفزيونية واساءات في بوستات ضد العلماء واحد الصحابة الكرام ،لا اشك بالطبع ان الردود كانت مفهومة ومشروعة ايضا ، لكن ما جرى على هامشها من مبالغات هنا او محاولات لتصفية الحسابات او اثارة الفتنة ، كان ممجوجا ومرفوضا ايضا ، فالاخطاء التي حصلت كان يمكن معالجتها في سياقها القانوني او الاعلامي او الاخلاقي ، لكنها للاسف تحولت الى “افخاخ” خطيرة كادت ان تفجر سلامة مجتمعنا وتماسكه، وتجفف روحنا الوطنية ، وتقوض “المواطنة” والعيش المشترك اللذين انجزنا تجربتهما على مدى العقود الماضية.
ربما يحاجج البعض ويقول ان ما جرى كان نتاجا طبيعيا لمخاضات وتحولات يمر بها مجتمعنا في هذه المرحلة، اسوة بالمجتمعات الاخرى ، وقد اوافق مبدئيا على ذلك ، لكنني اعتقد ان عامل التوقيت هنا مهم، وهو لا يسمح لنا بممارسة “ترف “ التجربة والخطأ او الفرجة، فالمنطقة العربية تعرضت لانفجار كبير، واول المتضررين منه هو “الهوية “ التي تمثل شبكة الامان لشعوبنا ، وما شهدناه في بلدنا كان مجرد شظايا وصلتنا من هذا الانفجار ، وهي لن تتوقف ، وبالتالي لا بد ان نتعامل معها بجدية وانتباه، ذلك ان اللعب على الاختلافات الدينية او على وتر الاقليات .. بانفاس الكراهية سيفضي الى تقسيم المجتمع واذكاء روح الصراعات النائمة، عندئذ سوف يستيقظ “الوحش” داخل كل واحد منا ، وبعدها - لا سمح الله - لن تستطيع اطفائياتنا السياسية
والدينية ان تفعل شيئا امام طوفان الهواجس والمخاوف التي تفرز اسوأ ما فينا حين نتصادم.
السجالات الحادة التي نشهدها ، والاخرى الصامتة التي لا نسمعها في الاعلام ، تؤكد ان “هوية” بلدنا تمر في مرحلة تشكل لم نألفه فيما مضى، وبالتالي لا يجوز ان نتجاهل ذلك ،او ان نتعامل معه بمنطق الفهلوة والانتقائية بالحساب والعقاب هنا والتغطية والصمت هناك ، كما لا يجوز ان نسمح “لمقاولي “ الفتنة وميليشياتهم الفكرية - وما اكثرهم ! - ان يفرضوا علينا مواقفهم ومواعظهم بالعصا ، او ان يعبثوا في نواميسنا الوطنية والدينية ،فهوية مجتمعنا ليست مجالا للنقاش لانها تشكل بالنسبة لنا جميعا “مشتركا “ انسانيا ووطنيا ، توافقنا عليه منذ تأسيس الدولة واصبح جزءا اساسيا من النظام العام الذي يجب ان يخضع الخارجون عليه للمحاسبة.
هنا ، لا بد ان تنهض الدولة ، ومعها المجتمع ، للحفاظ على هذه القيم ومنع “المتسربين “ من كهوف الفتنة - ايا كانت الوانهم او افكارهم - من العبث بها ، لانها ان لم تفعل ذلك ستفتح المجال امام “فوضى” يشتبك فيها الكل بالكل ، ويخسر منها الكل ايضا.
لا اتحدث -فقط - عن القيم الدينية والثقافية ، ولا عن المشتركات التي اسست للعيش المشترك بين الناس في بلدنا ، ولا عن صراعات الاسلاميين مع العلمانيين او المحافظين والاصلاحيين : هذه التي فجرتها الاساءات او الاخطاء في برنامج هنا او بوستات هناك ، وانما اتحدث ايضا عن القيم والخيارات السياسية التي اعتقد انها اكبر واخطر من ذلك ، رغم انها لم تحظ باي نصيب من نقاشاتنا العامة ، فهذه الخيارات يجب ان تكون في مقدمة اولوياتنا ، وفي صدارة اهتمامات مجتمعنا الذي غرق في الرد على ما يطفو فوق السطح فقط.
الدستور