نفايات بيروت- عابرة للطوائف .. فراس خيرالله
12-09-2015 07:01 PM
رغم وجودي في لبنان منذ عاميين متواصلين الا انني لا املك ادعاء الاحاطة بكل ما يجري في لبنان. لذا سأحاول أن اسجل بعض الملاحظات الهامة حول حراك بيروت الذي اعاد تحريك الشارع اللبناني بعد انقطاع دام لسنوات.
في اقل من شهر خرجت المظاهرات في بيروت للمرة الثالثة وتمكنت على الأقل من تحريك المياه الراكدة في السياسة والشارع اللبنانيين. فمن هم هؤلاء المعتصمون؟ ماهي مطالبهم؟ ما هي أدواتهم؟ و ما الذي يميزهم عن شباب الربيع العربي في تونس او مصر او حتى الأردن؟
من الأمور الهامة والمميزة لهذا الحراك الحالي هو انه لا يحمل اي صبغة سياسية او طائفية, على العكس, فقد تمكن الحراك من تجاوز الأحزاب السياسية وعبور الحدود الطائفية والخروج بموزاييك جمع للمرة الأولى جميع مكونات المجتمع اللبناني السياسية والطائفية. لقد تمكن هذا الحراك بصورته الحالية من دق مسمار جديد في نعش أتفاق الطائف الذي اوقف الحرب الأهلية اللبنانية بأن نقل المليشيات المتنازعة من الشارع الى البرلمان وأجهزة الدولة.
لقد اسس الطائف الى بناء دولة طائفية تحاصيه بامتياز وتمكن من تعميق الشرخ المجتمعي في لبنان بدل الذهاب الى مصالحة وعدالة انتقالية تؤسس لعقد اجتماعي جديد تحمي اركانه دولة مدنية. لقد وفر اتفاق الطائف ايضا حجة لجميع الأطراف الداخلية للاستعانة بالقوى الإقليمية لفرض سياسة او تمرير قانون فاتحا الباب على مصراعيه لأن يعود لبنان مسرحا لحل الخلافات الإقليمية. على مدى عقدين من الزمن تمكنت القوى السياسية الحاكمة التي أنتجها اتفاق الطائف من تسويق نفسها بأنها الضامن الوحيد لبقاء طائفتها وعدم تغول طائفة اخرى عليها ملغية بذلك دور الدولة وممزقة بذلك اي نسيج اجتماعي قد بدء بالنمو بعد الحرب.
لقد وصل الكثير من الشباب الى نقطة اللاعودة بعد أن ادركوا ان النظام بصورته الحالية لن ينتج الا المزيد من الفساد و الخراب لمؤسسات الدولة. الكثير من الشباب المتظاهر لا ينتمي لأي حزب بل ان الكثير يرفض ان ينسب نفسه لدين او طائفة بعينها معلنين بذلك تمردا لا على مخرجات الطائف فحسب, بل تمردا اجتماعيا ودينيا مدعوما بمطالب محقة ودلائل دامغة على فشل الطبقة الحاكمة و جشعها المختبئ تحت عباءة الدين والطائفة.
لقد فشل لبنان في اقتناص الفرصة الإقليمية والتحرر من السيطرة السورية باختراق الطائف والذهاب الى تصحيح مسار الدولة وتحصين المجتمع من الخطر القادم من الشرق مفوتين على لبنان واللبنانيين فرصة تاريخية للنهوض و بناء ما خربته الحروب المتعاقبة على هذا البلد الصغير. يأتي الحراك اللبناني أيضا واضعا الجميع, مواطنين وسياسيين, أمام خيارات جديدة خاصة أن ليس هناك ما يخسره لبنان فالدولة لم تعد تقدم ولو الحد الأدنى من الخدمات بل أنها لم تتمكن من الخروج بخطاب تطميني او عرض استراتيجية جديدة لحل المشاكل العالقة وعلى رأسها النفايات و الكهرباء.
لقد رفع الحراك اشكالية وجدلية الدولة والمواطن في الشرق الأوسط عاليا, فهل تبنى الدول على حساب مواطنيها ونكون أمام دولة اللامواطنة ام يأخذ كل منا حقه بيده ونلغي الدولة ونصنع مواطني اللادولة؟
لقد تمكن الحراك اللبناني العابر للطوائف من خلق فسحة أمل و أعمال العقل للمنطقة برمتها والتي دخلت في دوامة عنف وجنون طائفي مميت منذ سقوط بغداد. فالحراك بصيغته الحالية يقدم صورة لشباب سنة, شيعة, مسيحيين و دروز يدا بيد لا في حفل غنائي او في مواجهة طائفية مسعورة او كجثث نهشتها الصراعات والحروب بل كشباب واع ارتقى بفكره ورفض ان يكون اداة قتل طائفية عمياء.
لقد أثبت الحراك للمنطقة برمتها أننا في الشرق الأوسط نملك خيارات اكثر وابعد من تلك التي سيقت لنا, فلنتوقف عن حصر خياراتنا بين الأبيض والأسود, الإخوان و العسكر, بشار و داعش او بتكميم الأفواه او الفلتان, هناك خيارات اخرى مبنية على ان القوة في التنوع لا بإلغاء الأخر. علينا أن ندرك ,كما أدرك الشباب اللبناني, اننا نجلس جميعا بمركب واحد وليس لأحد الحق بخرق الجزء الخاص به.
أن ما يحتاجه لبنان اليوم هو اتفاق و عقد اجتماعي جديد بعيدا عن اي عاصمة عربية كانت ام أجنبية, اتفاق يحمل اسم مدينة لبنانية ويؤسس للبنان دون زعامات طائفية و دون قمامة و دون انقطاع الكهرباء, لبنان القرن الواحد والعشرين!
فراس خيرالله
مؤسسة بيرجهوف - بيروت