استبدال الخبز المصنع من القمح ، بواحد جديد يعتمد على البطاطا كان واحداً من بين الآراء المدهشة التي طرحها جهابذة الاقتصاد المؤتمرين على شواطئ شرم الشيخ لحل الازمة الغذائية الراهنة، والتي طاولت الدول الغنية، بعد طحنها للفقراء في أربع جهات الارض، وقد طرح الاقتراح بين يدي الكثير من التساؤلات المتعلقة بعاداتنا المكتسبة في الاكل منذ اليوم الاول لولادة كل واحد منا .
لم أتمكن من تصور نفسي أغمس صحن فول مدمس برغيف من البطاطا ولم أتمكن حتى من استساغة الفكرة قبل الدخول في تجربة استساغة الطعم، وراودني سؤال عن العمل إذا كانت الوجبة صينية بطاطا، فكيف نغمس الشيئ بالشيئ نفسه، وضحكت من أعماقي وأنا أتخيل منسفا فرشت فيه أرغفة خبز البطاطا تحت كومة الرز، وحين تناول إفطاري اليوم بدأت بالتفكير كيف سيكون طعم خبز البطاطا المغمس بالزيت والزعتر، وهل سيظل متاحا لنا الاستمتاع بالمناقيش، وتخيلت أن وجبة البطاطا المقلية التي يحبذ البعض تناولها من مطاعم الوجبات السريعة ستختفي ليحل محلها وجبة - غالية الثمن طبعا - تتكون من قطع صغيرة من خبز القمح الساخن الشهي، ومن المؤكد أن أسعار هذه الوجبة ستتباين تبعا لمكونها ، وإذا كان من القمح البلدي المحتفظ بالنخالة، أو المستورد بغير قشره.
لم أفكر بعد في السهول الاردنية مغطاة بحقول البطاطا بدل حقول القمح، ولم أتبين بعد ان كان ممكنا اعداد الفريكة الخضراء من البطاطا قبل اكتمال نموها، وتبادر الى ذهني ضرورة عقد دورات تدريبية سريعة على يد خبراء أجانب بالطبع لتعليم مزارعينا أنجع السبل لانجاح زراعة المكون الجديد المقترح لخبزنا، وتخيلت العم أحمد الذي اعتاد بذر قمحه منتظرا رحمة الله داعياً لطقس ممطر يترك خلفه لوحات خضراء من السنابل المتماوجة والتي لاتلبث أن تتحول إلى حقول من الذهب الاصفر مستدعية الحصادين، وهو يتحول إلى ثقافة البطاطا، مستغنياً عن المنجل ولوح الدراس والشاعوب والمذراة، وكيف سيلوب الرجل بعد اكتشافه أن محصول عامه هذا لم يوفر له شوال تبن واحد ليعلف به نعاجه التي اعتاد تصنيع الجميد من حليبها .
تخيلت كيف ستندثر الامثال الشعبية، أو تتغير صيغتها فيتحول مثل (بيننا خبز وملح) الى (بيننا ملح وبطاطا)، ولم أتمكن من فهم كيف ستتمكن فلحه أو شفيقه من إنضاج خبز البطاطا على الصاج، أوكيف سيقنعنا صاحب المخبز أن خبزه من البطاطا البلدية وليس من المستوردة، وهنا تذكرت كم ستخسر مؤسسة الموانئ وهي تغير أساليبها في تفريغ شحنات القمح المستورد بشحنات البطاطا التي يجب أن نبدي إصراراً كاملا على وصولها إلينا مغسولة وناصعة الصفار، وخالية من الشوائب التي رافقت ذات مرة شحنات القمح التي استوردناها من بلاد الله الواسعة بعد أن تحول شعبنا إلى جيش من الموظفين المنتظرين الراتب في آخر كل شهر بدل التوجه الى الارض الطيبة لزراعتها،وبما يكفينا ذل السؤال أو الاستيراد ( قديما كانت سهول حوران تعتبر المصدر الرئيسي للقمح الذي تحتاجه الامبراطورية الرومانية).
وبعد فان المشكلة التي لم يفكر بها جهابذة دافوس هي إرتفاع أسعار البطاطا التي يقترحونها لنا خبزا، ولعلهم على غير علم بأن سعر الكيلو منها اقترب من الدينار في أسواقنا، وأنها تحولت إلى ما يشبه الفاكهة بعد أن كانت عنوانا لوجبات الفقراء، اعتمادا على أغنية الشحروره صباح القائلة تعبيراً عن القناعة بالقليل (غديني خبزه وزيتونه وبتعشيني بطاطا)، والتي من الواضح أنها اغنية ستندثر لعدم مطابقتها لواقع الحال الجديد .
الراي