أحسنت دائرة قاضي القضاة صنعاً عندما استحدثت مديرية جديدة مختصة بالإصلاح الأسري، بحيث يصبح أحد أهم اهداف الدائرة متمثلاً بإصلاح الأسرة وزيادة تماسكها، ومساعدتها على حل مشاكلها، وإكسابها القدرة على التعامل مع الواقع الأسري بعقلانية وطرق علمية صحيحة، من أجل تخطي العقبات والعوائق التي تعترض مسيرة الأسرة، بالإضافة إلى مهمة تنفيذ الأحكام والإجراءات المتعلقة بموضوع التقاضي.
الالتفات إلى الجانب الإصلاحي في سياق التعامل مع الاختلاف الأسري يمثل أولوية بالغة الأهمية، وهذا يتطلب وضع خطة استراتيجية واسعة للتعامل مع هذا الشأن، تكون دائرة قاضي القضاة هي أحد الأطراف الأكثر أهمية في المشاركة في رسمها ووضع معالمها، والمشاركة في تنفيذها، ويقتضي أيضاً من كل مؤسسات المجتمع ذات الاختصاص والاهتمام المشترك أن تسهم في موضوع الإصلاح الأسري، وخاصة على صعيد المجتمع المدني، قبل الذهاب الى الحسم الفضائي.
هناك إجماع كبير على أهمية مؤسسة الأسرة ودورها العظيم، وأنها تمثل اللبنة الأساسية الأولى في البناء المجتمعي الكبير، مما يقتضي بذل جهود كبيرة ومنظمة في صيانة هذه المؤسسة وحفظها وحمايتها من عوامل الشقاق والنزاع التي تؤدي إلى زعزعة هذه المؤسسة، وانفراط عقدها، وانهيار المحضن الدافىء للأبناء الذي يصعب تعويضه، ويستحيل إيجاد البديل الكامل القادر على توفير الرعاية الشاملة للنشىء نفسياً واجتماعياً وتربوياً وعلمياً.
أغلب مشاكلنا الاجتماعية ناتجة أو متفرعة عن مشكلة أسرية، فالأسرة المتفككة تؤدي إلى ضياع الأبناء، ووقوعهم في براثن شبكات الفساد والإفساد، الذين يتعاملون بالمحرمات وتجارة المخدرات والممنوعات، أو أمور البغاء والدعارة، أو أمور السرقة والنشل والسطو على ممتلكات الآخرين، أو تمتهن التسول على الأرصفة والطرقات، فضلاً عن الكلام الطويل حول العقد النفسية والأمراض الاجتماعية التي قد تقع فيها الطفولة الضائعة.
كثير من أبنائنا وبناتنا يذهبون إلى الزواج، ويقتحمون ميدان تأسيس الأسرة الجديدة، بلا خبرة ولا تأهيل اجتماعي، ويصطدمون بالواقع أحياناً البعيد عن الأحلام والخيالات الرومانسية، فينشأ الخلاف، ويدب النزاع المؤدي إلى الطلاق، وتنشأ سلسلة من النزاعات طويلة الأمد بين العائلات، فضلاً عن الآثار النفسية التي تصيب الصغار، مما يجعلنا أمام مشاكل متكررة، وحالات طلاق كثيرة تتضاعف في كل عام، و يجعلنا أمام واقع اجتماعي مليء بالإنقسامات والنزاعات والعقد الاجتماعية.
نحن بحاجة إلى مؤسسات اجتماعية متخصصة بتأهيل الشباب المقدمين على الزواج، وبحاجة إلى زيادة منسوب التثقيف والوعي الأسري لدى الجنسين، قبل الزواج وبعد الزواج، ولذلك يقول بعض الخبراء في هذا المجال أننا نكتشف مساحة واسعة من الجهل لدى أبنائنا وبناتنا في هذا الموضوع، وأحياناً نقع فريسة لثفاقات وافدة تؤثر على الجيل، ولا تراعي الواقع، ولا تلتفت إلى الأعراف والعادات والتقاليد الاجتماعية الراسخة، ولا تقيم وزناً لثقافة المجتمع، مما يؤدي إلى إيجاد ثقافة هجينة مشوهة في ظل طوفان الإعلام الفضائي، وإعلام شبكات التواصل الاجتماعي المتاحة عبر الأثير، بلا ضوابط، وبلا تأهيل وبلا تثقيف وبلا استعداد.
هذا الواقع يحتم علينا جميعاً أن نتحمل المسؤولية الاجتماعية الكبيرة المتعلقة بمستقبل أبنائنا وبناتنا، وأن يفهموا أن الأسرة عبارة عن مشروع العمر الأكثر أهمية والأعظم خطورة في الحياة على مستوى الفرد والمجتمع، وأن الأسرة عبارة عن مؤسسة تعاونية، ومشروع اجتماعي واقتصادي وتربوي مشترك، يحتاج إلى شعور بالمسؤولية ويحتاج إلى وعي وثقافة واستعداد، وقدرة على التعامل مع الشريك، بطريقة تجمع بين الحب والمودة والسكينة، والاحترام والتقبل والمسامحة والتغافر والتعاون المثمر، وامتلاك القدرة على العيش المشترك الذي يحتاج إلى بعض التنازلات، والتخلي عن» الأنا» الطاغية، كل هذا يجعل من موضوع الإصلاح الأسري موضوعاً يحتل أعلى درجات الأهمية والعناية لدى مؤسساتنا الاجتماعية، ولدى مدارسنا وجامعاتنا، ومؤسساتنا الإعلامية.
الدستور