الصليبُ الذي يظهرُ في البندورةِ
باسل الرفايعة
10-09-2015 09:53 PM
الصليبُ الذي يظهرُ في البندورةِ الهولنديةِ ليسَ جديداً. فهذه دولةٌ كافرةٌ، تتآمرُ على الأمّة الإسلامية، وإنجازاتها العلمية وحضورها المتميّز في العالم. الجديدُ أنّ الصليبَ باتَ يظهرُ في البندورة الأردنية. لقد شاهدتُ ذلك بأمِّ عيني. كان صليباً واضحاً يتوسّطُ حبَّةَ البندورة، وتزامنَ ذلك مع الحملةِ "التبشيرية-التنصيرية" التي تقودها قناةُ "رؤيا"، وجرى وأدها في مهدها بالحملة المضادة التي نفذها التيارُ السلفيُّ وتابعوه.
صليبٌ في البندورة الأردنية! كيفَ يُمكنُ أنْ يحدثَ ذلك. ومن هوَ المسؤول. ولماذا هذا التوقيتُ بالذات؟ هذا أمرٌ لا يجبُ أنْ تسكتَ عنه "الدهماء"، ولا جبهةُ العملِ الاسلامي المتقاعدة. عليها أنْ تصدرَ بياناً عاجلاً بالأمر، خصوصاً أنها لم تتحفنا بأيِّ بيانٍ منذ انقضاء مهرجان جرش "بفسقهِ ومجونهِ وفجوره" في تموز (يوليو) الماضي. عليها أن تطالبَ وزارةَ الزراعة بالتحقيقِ في الأمر، ومعرفة نوعية البذور في المساكب الأردنية. ومن هي الجهة التبشيرية التي باعتها للمزارعين الأردنيين، حتى نكونَ على بيّنةٍ من أمرنا، فنقاطع "رؤيا" والبندورة معاً، ونحصل على أجرٍ مُضاعف، وعلى خَصْمٍ كبيرٍ وتشجيعيٍّ من الجهل.
لم نسمعْ بدخول الصليب الى بندورتنا من قبل. سمعنا ما يتمناهُ الخيالُ الإسلاميُّ عن مُزارعٍ أميركيٍّ في كاليفورنيا، أخرج حبّةَ بطاطا من الأرض، فوجد عليها عبارة "الله اكبر" باللغة العربية، ولأنه لا يعرفُ لغةَ الضاد، فقد توجه الى السوق المركزيّ في مقاطعته، فسألَ عربياً أخبره بالأمر، وعلى الفور أسلمَ آلافُ المزارعين في السوق، ونشرت الصحفُ الأميركيةُ المحليةُ الخبرَ، فأعلنت الولايةُ كاملةً اسلامها. وذلك يُشبه قصصاً خيالية أخرى، مثل ذلك الرجل الذي كان يُصلّي على رصيفٍ في لندن، وعندما شاهده المارةُ دخلوا في الإسلام فوراً.
أيضاً، وأثناء أزمةِ "رؤيا" ظهرَ الصليبُ داخلَ حبّةِ رمّان. لا أعني هذه الثمار الشهية. أخصُّ تلك التي في المثلِ الشعبيِّ الأردني: "مشْ رمّانة.. قلوب مليانة". فالقناةُ أخطأت مهنياً في نسخ برنامجٍ أجنبي، ونزْعه من سياقه الثقافي. واتفق مسلمون ومسيحيون على أن الفيديو كان سَمِجاً وسطحيّاً. فيما رأى آخرون غير ذلك.
القصة وما فيها، يُمكن التعاطي معها في هذا الإطار، وقد اعتذرت القناة. بينما تركزت الحملة السلفية - الداعشية المخزية ضد "رؤيا" على أنّ مالكها مسيحي، يتقصّدُ افسادَ الأخلاق، وتوجيهَ رسائل تبشيرية في المحتوى، مثل نكتة الصليب في البندورة.
القناةُ، كما أرى، هي الأفضلُ أردنياً. فالتلفزيون الرسميّ مثل الإعلام الرسميّ بدائيّ، ولا يزال في مرحلة الربابة.
وفي معظم ما تبقى من محطّات لا نجدُ إلا دكاكينَ مفتوحةً، لتظهرنا شعباً ساذجاً. ليس لديه طلبة وجامعات ونقابات.
اللغة ضد "رؤيا" تحريضيةٌ، وفي منتهى القُبح والسواد، وتضعُ استفهاماتٍ كبيرة حول حقيقة التعايش في بلادنا. انفجرت الرمّانة السلفيةُ، وأظهرت ما في القلوب من تشوهاتٍ وأمراض، ومجدداً ظهرنا في حالةٍ رثّةٍ جداً، نجلسُ على هامش الوعي والفهم.. والمصلحة.