في مسودة مشروع قانون الانتخاب الجديد هناك عودة للقوة التمثيلية الحقيقية للصوت الانتخابي وإن كان مقيدا بالاقتراع للقائمة النسبية المفتوحة وبما يساوي عدد ممثلي تلك الدائرة في مجلس النواب، أي رد الاعتبار للصوت الواحد الفعلي والحقيقي والكامل وإن بتخريجات وضوابط ومحددات مختلفة، ففي العام 1989 كان الصوت حرا ضمن حدود عدد ممثلي الدائرة الانتخابية في مجلس النواب؛ أما في مسودة مشروع الانتخاب الجديد للعام 2015 فهو مقيد بقائمة نسبية، لان هذا الصوت يفترض أن يكون راشدا في العام 2015 ومحددا باختياراته البرامجية بأكثر من قانون 1989 .
لكن النسبية بشكلها الوارد في مشروع القانون المقترح لا تلبي بالشكل المأمول طموح وجود الكتل النيابية ذات البرامج الجامعة، فالنسبية وبالكيفية التي وردت بها لا تسمح بتشكيل هذه الكتل القادرة على التأثير في تشكيل الحكومات، أو سياساتها، أوتتطرح قوانين نوعية في غاياتها، مما يجعل من هذه النسبية - على أهمية العمل بها - وكأنها مجرد إضافة صورة مبهرة في كتاب كيف تتعلم الديمقراطية.
الناخب في الدائرة الواحدة وفق قانون عام 1989 كان صوته ينتخب عدد النواب الممثلين لدائرته كاملا دون قيود، لكن عندما تم العمل بما سمي ظلما بقانون الصوت الواحد؛ فان صوت الناخب تقلص الى أجزاء من الصوت، وكمثال على ذلك فكاتب هذه السطور كان ينتخب خمسة مرشحين في الدائرة الثالثة؛ لكن صوته تقلص لانتخاب نائب واحد، أي أنه فقد 80% من قوته التمثيلية وأصبح ينتخب فقط ب 20% من تلك القوة، مما قلل من قدرتها على ايصال مرشحين لهم وزنهم الشعبي والمهني والسياسي وسمح بتسرب نواب باقل من القوة التصويتية الحقيقية، وهو الامر الذي تجسد بتراجع العملية التشريعية والرقابية، والانصراف لتحقيق المصالح الخاصة لا العامة، وتكريس الفردية بدل الجماعية .
الالية الانتخابية في مسودة مشروع القانون المقترح هي أن الانتخاب يتم على مرحلتين: الاولى يتم فيها اختيار القائمة ، والثانية يتم فيها اختيار المرشحين للاقتراع لهم بما لا يزيد عن العدد المقرر لكل دائرة؛ مع الاخذ بالاعتبار عدد اعضاء تلك القائمة التي تم اختيارها اصلا، فيما عدد المرشحين المسموح التصويت لهم مرتبط بعدد المرشحين في القائمة التي وقع عليها الاختيار، وعدد ممثلي الدائرة الانتخابية في المجلس النيابي.
من بنود المشروع المهمة إضافة اسماء الناخبين الذين أكملوا 18 سنة مرتين في السنة، أي أنه سيكون لدينا ناخبون جدد كل ستة أشهر ( اخذين بالاعتبار أن حوالي 46 % من الاردنيين تقل اعمارهم عن 18 سنة، وأن 37% تقل عن 15 سنة، ما يعني ان هناك ما يزيد عن 10% من السكان الشباب سيدخلون كناخبين جدد كل اربع سنوات) وهو ما يغير المشهد الانتخابي، والمقاربات للبرامج الانتخابية، ونوعية النواب المنتخبين، ووسائل التواصل مع الناخبين في كل دورة انتخابية.
ورغم ما قد يصاحب مثل هذه الاجراءات من سوء فهم أو صعوبة في التطبيق والمتابعة وكيفية التعامل مع الخروقات والتجاوزات المصاحبة لذلك؛ الا أن مسودة القانون تعتبر بحد ذاتها حدثا في ايامنا هذه وبطولة ما بعدها بطولة؛ مع أنها وقبل ما يزيد عن الربع قرن من الان كانت امرا عاديا ينسجم وتطور الفكر السياسي والثقافي والاجتماعي للشعب الاردني في ذلك الوقت، لنأخذه بعيدا على مدار ربع قرن من الغربة الانتخابية، ثم نعيده للمربع الاول، وكأننا نقدم له وجبة شهية لم يتذوقها منذ زمن بعيد.
وبرغم كل الملاحظات سيكون لمشروع القانون الجديد انعكاسه الاقتصادي الايجابي مقابل الكثير من النتائج الاقتصادية السلبية لقانون الانتخاب الحالي (قانون الصوت الاقل من واحد) فهو سيعمل على ايفاد نخبة من النواب الذين لم يتح لهم القانون الحالي الوصول للندوة البرلمانية ما سيرتقي بالتشريعات الاقتصادية والاجتماعية والسياسة، ويسمح بالتركيزعلى قضايا المديونية والهدر والنفقات غير المجدية والاستثمارات والعجز وغيرها، ويعطي اولوية لاقرار قوانين اكثر تماسكا ووعيا لحاجات الناس والمجتمع الان وفي المستقبل، مما يشيع اسقرارا تشريعيا ينتج عنه ارتفاع منسوب الثقة، وتكون من نتائجه زيادة التفائل، بعيدا عن مشاريع ومقاربات ومواقف فيها من الارتجال او عدم التماسك او الاعتبارات الشخصية الكثير، بوجود نواب تتقارب افكارهم وبرامجهم ومواقفهم إلى حد ما، مما يجعل المنافسة في المجلس النيابي للاكثر انتاجية لا للاعلى صوتا، وبالتالي يمكن لهذا المجلس أن يكون نموذجا ايجابيا في الانتاجية الغائبة عن فعالياتنا ومؤسساتنا واقتصادنا؛ لان الجميع مهتم بالاستهلاك .
وهنا فالمسؤول اي مسؤول عليه أن يلتقط الرسائل التي بعثها مشروع القانون في نفوس المواطنين بغض النظر عن تصنيفاتهم وكيف استقبلوه بالارتياح وبالاشادة ايضا، ما يعني أن الناس ليست عدمية في مواقفها، أومتشنجة في مطالبها، أو ان لديها هواية معارضة أو انتقاد المسؤول، فهي تريد ما يشعرها بالاهتمام والعناية باحتياجاتها، ويفتح الباب واسعا لطرح الحلول لمشاكلها، بعيدا عن الاستقواء أو المماطلة أو التلاعب أو الحجج، التي يعلم المسؤول قبل غيره انها مجرد مبررات للامعان بعدم الاستماع للناس.
كثير من القوانين التي اقرت لاحقا كانت مسوداتها جيدة بل ومبشرة؛ لكنها في المصنع التشريعي خضعت للمساومات والتاثيرات المختلفة فخرجت بغير ما دخلت به من تطلعات وغايات، الامر الذي نخشى تعرض مسودة مشروع قانون الانتخاب الجديد له فيتحول الى مجرد قانون انتخاب يخلوا من لمسته الاصلاحية او مفاعيله المستهدفة، وهو ما يستدعي من الاحزاب الفاعلة ومؤسسات المجتمع المدني والمواطنين دعم هذا المشروع ليخرج من مجلس الامة بافضل مما دخل به اليه، فبلدنا ومواطنونا يليق بهم قانون يجسد تطور وعي المجتمع، وحاجتنا لمسؤولين يعكسون هذا التطور ويستلهمونه.