منذ سنوات وسؤال الإعلام الرسمي مطروحا في كل الأوساط الرسميه والمهنية والشعبيه ، لكن المؤسف انه رغم كل التشخيص والتنظير الا ان موسسات الاعلام الرسمي وشبه الرسمي تزداد تعثرا وتتعمق مشكلاتها الماليه والإدارية وايضاً المهنيه ، وزاد الامر صعوبه امتلاك موسسات إعلام خاصه من كل الأنواع مساحات واسعه للتعبير والتأثير مع بقاء الرسميه وغير الرسميه مكبلة منا يجعلها محل نقد حتى من المسؤلين .
فكره التلفزيون " المستقل " واحده من المحاولات الجاده حتى تمتلك الدوله وسيله إعلام رشيقه قادره على المنافسه ، وجوهر الفكره ان يكون محطه تلفزيونيه تقدم الخدمة الاخباريه العامه على غرار الأذاعه البريطانية "bbc"، وان تكون قادره على خدمه الدوله اعلاميا ، وحتى الان أنهت الحكومه عددا من الخطوات التنظيميه لإطلاق القناه ونسمع ان البث سيبدا بعد حوالي تسعه شهور .
لكن هذه الفكره الإيجابية تواجه العديد من التحديات التي لابد من تجاوزها حتى لاتتحول الى مولود ضعيف لايختلف عما هو موجود ، ولعل من ابرز هذه التساؤلات والتحديات مايلي :-
١- ان الذهاب لإنشاء هذه القناه اعتراف عملي بان ماهو موجود من إعلام رسمي لم يعد قادرًا على الخدمة الحقيقيه للدوله ، ولهذا بقي على ذمه الحكومه مثل الزوجه الاولى او ام العيال لكن الدور المطلوب تم إسناده للفكره ألجديده ، لكن السؤال الا يمكن لما هو موجود فيما لو تم منحه ماسيتم منحه للقناه ألجديده ان يتخلص من أمراضه ، واقصد هنا التمويل والدلال والاهتمام ، وحريه القرار المهني ، والقدرة على استقطاب الكفاءات ، ام ان قناعه الدوله ان المؤسسات الموجودة ميؤوس منها ولهذا تبقى على ذمه الدوله من باب الوفاء وليس القناعه بالقدرة .
٢- ان التلفزيون الجديد والذي تم وصفه رسميا بالتلفزيون المستقل وهذا ذكرنا بالمطار السري في مصر قبل حرب حزيران ، هذه القناه ليس مهما ان تسمى مستقله او اي اسم اخر لكن المهم ماهي الاستقلالية المقصودة وهي التي ولدت من خلال تشريع يجعلها موسسه حكوميه ويتم تعيين كادرها من خلال ديوان الخدمة المدنيه ، ويتم تمويلها من الحكومه وتعيين مجلس ادارتها ، وكل هذا امر مشروع لكن ماهي الاستقلالية المقصودة ، وهل تشبه استقلاليه صحيفه الراي مع الحكومه حيث يتم وصفها بأنها شركه لكن من الطبيعي اذا غضب رىيس حكومه من رىيس التحرير ان يفصله تعسفيا ولا يكلفه هذا الا مكالمه هاتفيه للضمان الاجتماعي وهذا ينطبق على روساء مجلس الأداره والمدير العام !!!
وهل هي استقلاليه القرار التحريري والمهني ، فهل مدير القناه ومجلس الأداره هو صاحب القرار ام عليه ان يضع اهتمامات الحكومه بين عينيه ، والى اي حد يمكن للقناه ألجديده التحرك سياسيا وهي التي تمثل الدوله وسياستها ؟؟
٣-الفكره جميله وهامه وضرورية لكن الوضوح في بدايه الطريق هو الأهم ، لان الاستقلالية لاتعني ان ناتي لها بمدير مستورد من اي بلد او قناه عربيه ، ولا ان يتحدث المذيعون والمذيعات بلهجه عاميه او شبه لبنانيه ، ولا بتكثيف التقنيات ، كل هذا مهم ، لكن الأهم الإطار السياسي والمهني ومن يحدده .
٤- وعلينا ان نتذكر ان تجربه سابقه حاولت الدوله إنتاجه قبل سنوات طويله لكنه تعثر بعد يوم من البث التجريبي لأسباب عديده لكن منها طريقه التفكير في انتاج البرامج .
٥- من الطبيعي ان نتعاطف جميعا مع الفريق الذي سيحمل مسوليه إطلاق هذه القناه ، لان الامر ليس سهلا ، فالمطلوب انتاج تلفزيون رسمي لكنه يعمل بسقف مرتفع ومطلوب منه المنافسه
واستعاده الجمهو ر بل ايضا خدمه الدوله في إطارنا الإقليمي .
مره اخرى الفكره تستحق الدعم لكن نجاح القناه في تحديد سياستها ونهجها اولا والاتفاق عليه داخل أولياء امرها ، فالتمويل والقرار ورسم السياسه والمرجعيه وبخاصه في الأحداث الساخنه ، وتحديد معنى انها مستقله ، كلها عوامل هامه ، وإلا ربما سنسمع بعد انطلاقها او قبل تذمرا وإحباطا وشكاوى ممن يتولون امرها وتتحول القناه الى داىره حكوميه جديده تضم عددا من الموظفين وتتلقى الشتيمة والنقد من الجميع .