استضاف منتدى شومان الثقافي الخميس الماضي رئيس الوزراء الماليزي الأسبق د.مهاتير محمد، وعندما نذكر مهاتير محمد فعلينا أن نذكر ونتذكّر «نهضة أمة» بأكملها، وعندما نذكر مهاتير محمد علينا أن نذكر الرجل المفكّر الإسلامي، ونذكر الرجل الاقتصادي الذي لم يعرف اليأس ولم يعرف المستحيل، ولم يعرف طعن الوطن من الخلف ولم يعرف الفساد وتكديس الأرصدة الشخصية في حساباته الخاصة .. فجفنه لم يغمض ليلة واحدة الا على حلم ماليزيا أو ماليزيا الحلم...
ملخّص ما قاله الرجل عن بلده : ان ماليزيا كانت بُعيد الاستقلال ،فقيرة، قليلة الموارد، متعددة الأعراق، نسبة البطالة فيها تصل الى 60%... لذا أول التفكير كان بحل البطالة، لأن القضاء على البطالة يعني الاستقرار السياسي ، فقامت بتوزيع مئات من هكتارات الأراضي على المواطنين الماليزيين وتأسيس شركات محلية مهمتها الزراعة والتصدير، كما عملت على كسر احتكار الهنود والصينيين للاقتصاد الماليزي ودعوتهم للتشغيل والشراكة مع السكان الأصليين ، كما عملوا أيضا على دعوة الشركات العالمية الكبرى لفتح استثمارات جديدة والتمتع بإعفاءات ضريبية لأكثر من عشر سنوات ، هذه الشركات قامت بتشغيل أبناء ماليزيا الفقراء، وبدأت تتحسن دخولهم شيئاً فشيئاً، لا بل احتاجت لعمالة مضاعفة من خارج ماليزيا ... وصارت ماليزيا تنتقل تدريجيا من بلد «التجميع» الى بلد التصنيع..
ولم ينكر مهاتير محمد قيام بلده فترة حكمه باستنساخ التجربة اليابانية في النهضة الصناعية والتحدّي بصناعة وطن أفضل.. قائلاً: الياباني يخجل ان يعمل شيئاً ويفشل به.. تعلمنا ذلك منهم.. لكن الماليزي لا يستطيع أن يخفي فخره بانجازه ان هو نجح...
ثم تحدث كيف حاولت بلده تجنب الحروب لتتفرغ للنهضة، فكل المنازعات التي صارت بينها وبين الدول المجاورة على الحدود البحرية تم حلها بالمحكمة الدولية رغم الظلم الذي وقع عليها حسب قوله، كما استعرض كيف تجنّبوا التورط مع الصندوق الدولي وكيف حموا عملة بلادهم من الانهيار، واليوم ماليزيا فيها ثلاثة صناديق ادخارية مهمة جداً أقلها يحتوي على 100 مليار دولار وضعت تحت تصرف الدولة للاستثمار ...
اخيراً تطرق مهاتير محمد الى رؤية 2020 التي وضعها قبل مغادرته منصبه بعام واحد.. والمقصود منها كيف سيرى ماليزيا عام 2020 .. وهو متأكد من النجاح والتفوق لأنه كما قال لم يعد ينقصنا شيء لا الخبرة ولا الموارد ولا الارادة وهي الأهم.
ما أدهشني في ندوة رئيس وزراء ماليزيا الأسبق، وجود عدد من القيادات الحكومية السابقة.. وكنت ألاحظ كيف كانوا يصفقون ببرود للرجل على كلامه وإخلاصه وانجازه وربما اتهموه في سرهم «بقلة العقل»... كنت أتمنى أن يتعّلموا منه فقط كيف يكون التحدي الحقيقي ، وكيف يكون الانجاز الذي لا يخفت.
بالمناسبة مهاتير محمد لم يعتزل العمل السياسي بعد، ما زالت عينه على ماليزيا الحلم، فهو يقود الآن مظاهرات لإسقاط رئيس الوزراء الحالي الذي تدور حوله شبهات فساد، وهو الأب الروحي لماليزيا وهو المنظر للنهضة المعجزة .. وربما هذا وجه الشبه الوحيد بينه وبين أصحاب الدولة خاصتنا.. "هو الأب الروحي" ويقود المظاهرات الإصلاحية ... ولدينا رؤساء وزراء يقودون الجاهات الاصلاحية ...
وغطيني يا كرمة العلي .
الرأي