شدتني المظاهرات الاحتجاجية للبنانيين التي جرت في الساحات الرئيسية في بيروت قبل ايام والمستمرة حتى الان .. واعادتني الى الايام الجميلة وفي نهاية الستينات طالبا جامعيا وفي وقت كان البون الحضاري كبيرا وواسعا بين بيروت وعمان وفي كل شئ اعداد البنايات العالية و السيارات الفارهة واعداد الثلاجات والمطاعم ودور السينما والمقاهي وبالتحديد مقهى ام كلثوم الذي كنت ارتاده و (الشباب) القريب من الروشة والعائم نصفه في البحر ولا تتوقف فيه السيدة ام كلثوم في غنائها العذب حتى ساعة متاخرة من الليل..
وشدني اكثر اناس هذه المدينة العربية الطيبة والمميزة في نظافتها وطيبة اهلها ...واتذكر اني وزميلي عجزنا في ايجاد سكن في المناطق الاسلامية الحمرا و ابو شاكر وشجعنا احد الاصدقاء ان نذهب للسكن في الاشرفية وهو حي بيروتي مسيحي كان السائق ونحن قادمين من عمان يمر على عجل وهو خائف ونحن خائفين ايضا ..
وهذا ما جرى فقد قمت وصديقي في البحث مضطرين عن سكن في هذا الحي المسيحي ...و اول بيت طرقنا بابه خرج علينا رجل طويل عريض ب(الشباح) وصليبه الكبير يتدلى على صدره المكشوف ، فاعتذر لعدم تحقيقه مطلبنا وان كان اصر على دخولنا لشرب القهوة والتي طبخها بكل هدوء وترو.. وفعلا كان فنجان قهوته الحلوة اطيب فنجان قهوة شربته في حياتي ..!
بعد القهوة اللذيذة هذه ، اشار الرجل الى بيت قريب لنا حوله حديقة غناء وخلفه شجيرات قليلة باسقة من الليمون والبرتقال وغيرها ، فرحب بنا صاحباه وهما عجوزان وان كانا قويين وناشطين يفتتحان يومهما بقراءة الجريدة ( الحياة ) .. ولم اعرف منزلا في هذه الدنيا وحتى الان انظف من منزلهما ولا اطيب من طعامهما حيث رفضا وبشدة ان نقوم بإعداد طعامنا لوحدنا ، فكنا ناكل و بالمجان مما تطبخه تلك السيدة الكريمة ام انطون ومنذ بداية الامتحانات وحتى نهايتها ..
ايام بيروتية جميلة حقا كانت تجديد كل كتاب جامعي بليرة لبنانية واحدة والدجاجة المحمرة على الطريقة التركية التي تدور على سيخ الشواء بليرة ايضا وهذا النوع من الشواء للدجاج واللحوم لم يكن موجودا مثله في عمان في تلك الايام .
قبل ايابنا الى عمان بيوم او يومين تاخرنا في العودة واللسبب كان لمشاركتنا في جنازة الاديب والكاتب الفلسطيني الكبير غسان كنفاني الذي اغتاله الموساد الاسرائيلي وفي قلب بيروت والذي كان معنا طالبا منتسبا في جامعة بيروت العربية وان كان اقل سنة منا هو في السنة الجامعية الثانية و انا وصاحبي في الثالثة وكم كان ابو انطون وزوجته مشغولين وخائفين علينا كثيرا .. فوجدنا وليمة مميزة ولذيذة لوداعنا قبل عودتنا الى عمان ..
ايام جميلة حقا ..اشتقنالك يا بيروت ..!
Odeha_odeha@yahoo.com