قانون الانتخاب ليس تقدمياً كما يبدو
د.م أيمن الخزاعلة
06-09-2015 07:14 PM
أياً كانت دوافع تقديم مسودة قانون الانتخاب حديثاً، فسواء كانت لوجود ارادة حقيقة لدى رأس الدولة للمضي في اجراء مزيد من الانفراجات على المستوى السياسي، او كانت لوجود اشارات خارجية و داخلية لسقوط و تدني مستوى اداء مجلس النواب الذي اصبح اضحوكة للمتندرين، او حتى كانت لرغبة الرئيس و فريقه في البقاء مدة اطول، او كانت للاقتناع بضرورة تحقيق الامن السياسي كجزء من منظومة الامن الشامل كحاضنة و ضمان لتشجيع مناخ استثماري، فإنه يمكن القول أن الحكومة كانت بارعة في الخداع و اظهار وجه اصلاحي متطور عبرت عنه من خلال مفاجأة ( بأقل الاوصاف) تحت عناوين دفن الصوت الواحد و استبداله بحزم من الاصوات تعدت حدود اشد المتفائلين. فوفق تفسيرات علم النفس كما أفهم (و لست مختصا) فإن زيادة التركيز على فكرة التخلص من الصوت الواحد تجعلنا لا نرى الحقيقة مكتملة و قد قاد هذا الامر البعض الى التصفيق بحرارة للحكومة التي اظهرت مشروع القانون بمظهر ملائكي.
ان المتابع لنهج هذه الحكومة برأسها الوحيد لا بد أنه و بقطع شك قد لاحظ تناقضها في الاحكام و اقدامها على لعب مكشوف وتبادل للادوار، فتجدها تدعي التقدمية من خلال قانون اصلاحي في حين أنها هي نفس الحكومة التي قادت انقلابا لسنوات على الحريات و على المطالبين بالتعددية و التشاركية، و هنالك شواهد كثير حيث ان هنالك اشخاص لا يزالون يقبعون في المعتقلات بسبب آراءهم و توجهاتهم في حين ترك الامر على الغارب للفاسدين و المفسدين و بعضهم يرتع في الحرية و هو مطلوب بمذكرة توقيف من هذه الحكومة.
واهماً من يظن أن القانون الجديد متقدم، بل أنه لم يخلصنا من الصوت الواحد و قام بتكريسه كأساس أولي للاختيار و ترك للناخب بعد ذلك حرية ان يعدد في الاصوات او يتوقف، و للتوضيح و حسب ما رشح عن الحكومة تم اعتبار ان كل محافظة دائرة انتخابية واحدة و ان محافظات كبيرة كعمان و الزرقاء و اربد ( و ربما تضاف البلقاء كجزء مكمل من تحيزات رئيس الحكومة) يمكن أن تقسم الى دائرتين انتخابيتين أو أكثر حسب الدواعي. فمثلا و ليس حصراً، يمكن أن تكون محافظة كجرش دائرة انتخابية واحدة يخصص لها عدد معين من المقاعد و المتوقع الا تزيد عن اربعة، و يتم فيها تنافس المرشحين على شكل قوائم ، حيث قد تتشكل القائمة الواحدة من اربعة اشخاص او ثلاثة او اثنان او واحد كحد أدنى، و عندئذ يكون دور الناخب أن يختار من بين القوائم قائمة واحدة فقط و لا يحق له اختيار قائمة اخرى قد تحتوى على اسماء تستحق ان يتم اختيارها مما يعني صوت واحد فقط للناخب كاختيار أولى و ان سمح له ان يعدد في نفس القائمة التي اختارها، فكيف اذا تم دفن الصوت الواحد كما يدعون؟
الواضح جيداً أن مفهوم المشاركة السياسية لا يعني فقط أن يتم ادخال المواطن كموظف منفذ لما يرسم له بل ان الفهم الحقيقي لذلك يعني ان يسهم المواطن بشكل مباشر او غير مباشر من خلال ممثليه في صناعة القرار و رسم السياسات و اقتراح القوانين، فالاتيان بنواب من أجل شرعنة ما تقدمه الحكومات بلا زيادة او نقصان او السماح لهم فقط بتعديلات محدودة مسيطر عليها أمر غير مقبول و لا بد من الانتقال نحو تأسيس مجلس نواب يحمل في جل مخرجاته اشخاص أكفاء لديهم امتداد و عمق مستند على برامج و مقترحات تقدمها كتل متوافقة و منسجمة أو ما يعرف في الاصطلاح السياسي بالاحزاب. لقد تم محاربة الاحزاب و تقزيمها في مسودة هذا القانون بحجة عدم الدستورية فهل التمييز بين الاردنيين وفق العرق و الدين و الجنس من خلال اقرار الكوتات متوافق و مواد الدستور ؟ أوليس اعطاء فرص و تعزيز الاحزاب كنواة لدولة مدنية تقدمية تقود الى حكومات برلمانية أولى و يستحق الادراج في هذا القانون؟ الا يمكن استبدال الكوتات بالحزبية ان اردنا قانونا متطورا، حيث ان الحزب يجمع مختلف الاعراق و الديانات و الاجناس حتى الجنس الثالث ان رغبوا.
الامر الجدير بالحديث هنا، ان هذا المشروع لا يخلو من شبهات و مغالطات دستورية تبدأ من الكوتات و عدم اعطاء فرص متساوية للاردنيين في الترشح و حرمان البعض من الادلاء باصواتهم كما هو الحال للمغتربين و منتسبي القوات المسلحة، و يضاف ايضا أن النظام الانتخابي بعد اقرار القانون لا يجوز ان يترك للحكومة فالاحكام التشريعية يجب ان تصدر عن مجلس الامة و يصادق عليها الملك وفق مواد الدستور، كذلك يشير بعض رجال القانون الى وجود ثغرات في طريقة معالجة شغور المقعد النيابي على مستوى القائمة و الكوتا .
المشروع المطروح حاليا يحمل اساسا لابد من البناء عليه و تعديله للوصول الى قانون اصلاحي بالمعنى الحقيقي، و عليه نشير الى التالي:
- ليس صحيحا تماما او مطلقا بأنه تم التخلص من الصوت الواحد في هذا المشروع كما تدعي الحكومة، و نذكر هنا بأن الصوت الواحد مطبق في كثير من دول العالم و عيبه ظهر جليا لدينا في الاردن بسبب عدم تطبيقه بعدالة و نزاهة .
- الحسم سوف يكون و حسب الدستور المعمول به حاليا لمجلس الامة الذي يعتقد الكثيرون بأنه فاقد للشرعية و لا يعول عليه كثيرا في انتاج قانون مطمئن فالمجالس الحالية غير موثوقة الجانب و التاريخ يشهد بحدوث انقلابات عكس ارادة الشعب.
- القوائم الوطنية تم اسقاطها بقصد في الانتخابات الماضية و هي فكرة رائدة تؤسس لعمل حزبي مستقبلا و كان بالامكان تضمينها في القانون دون ان تكون على اساس حزبي، أفلا تدكرون قصة الهيئة المستقلة و قائمتي حازم و عبلة.
- اقرار قانون اللامركزية كان يجب ان يفضي بالضرورة الى تخفيض عدد اعضاء مجلس النواب الى ما دون المئة، و اشهار الرقم 130 يعني ببساطة بأن المخطط مكتمل و ان النظام جاهز و ان الدوائر موزعة بما يضمن مخرج مدجن و مسيطر عليه تماما و قد نشهد مجلس نواب بمستوى المجلس الحالي ان لم يدنو عنه. و يجب ان اردنا تغييرا عادلا ان يتم توزيع المقاعد حسب الكثافة السكانية و الابتعاد عن ذريعة البعد التنموي في اعطاء محافظات مقاعد اكثر في حين حرمان اخرى فيها مجاميع بشرية كبيرة ، فلا يمكن اهمال الانسان على حساب الجغرافيا او على حساب انسان اخر يشكل بمجموعه عدد اقل.
- قد يقصد باظهار القانون في هذا التوقيت مزيد من تفتيت للحركة الاسلامية و تأجيج خلافها مع المجموعة المنشقة او الشرعية حسب رأي الحكومة , شخصيا لا اميل كثيرا الى هذا التفسير، و قد يفسر آخرون ان الحكومة تريد اشهار التوبة و الظهور بمظهر الناسك في حين التركيز على اظهار النواب كشياطين عند اعطائهم تعليمات الانقلاب على القانون و نزع الدسم منه و هذا تكريس لنهج اضعاف سلطة الشعب ، فيما يرى آخرون ان الحكومة تريد تغطية الفشل الاقتصادي و تراجع الاستثمار و تحجيم الحريات بنجاح سياسي مغشوش.
رئيس جمعية الهندسة السياسية