لم تبق هناك «ملاذات آمنة» في هذه الدنيا، والإغلاقات في كل مكان، والدول المغلقة بسبب الحروب والفتن، تقابلها دول مغلقة بسبب تعقيدات التأشيرات او مخاوف الديموغرافيا، او دول مغلقة لاكتفائها بالعمالة التي لديها.
كان الانسان سابقا اذ يعيش في سورية، وتضيق به الحياة يسافر للعراق، مثلا، واذا ضاقت الحياة بالعراقي يأتي للاردن، واذا ضاقت بالاردني يسافر للعمل في دول عربية، او يحصل المغربي او الجزائري على تأشيرة بسهولة الى اوروبا او اميركا، فيسافر او يهاجر.
كانت هناك ملاذات آمنة للعمل او السياحة او الهروب لاي سبب كان، واللبنانيون في حربهم الاهلية سافروا الى الاردن وقبرص وكل الدنيا، على سبيل المثال.
مع التطرف والتشدد وتشويه سمعة المسلمين في العالم والمصاعب الاقتصادية في اميركا واوروبا، وتلك الحروب التي تحرق الاخضر واليابس في العالم العربي، وفقر دول اخرى، واكتفاء دول اخرى ثرية بالكفاءات التي لديها، نكتشف ان «الملاذات الامنة» للانسان العربي باتت معدومة، بطريقة غريبة، فالإغلاقات في كل مكان.
السوري مسموح له ان يدخل 34 دولة فقط دون تأشيرات كالسودان وجزر القمر ودول افريقية لاكهرباء فيها ولاماء، واغلب الجنسيات العربية غير مرحب فيها في العالم لاعتبارات مختلفة، فإما يخافون منك باعتبارك متشددا محتملا، او يغلقون الباب لعدم وجود فرص اقتصادية، فيما ملاذاتك الامنة عربيا مبتلاة بالحروب والفتن او الفقر والبطالة، او لانها تفيض بمن فيها من كفاءات ولاتحتمل زبونا جديدا.
هل هي لعنة القرن الواحد والعشرين، حين تتحول الى سجين في مكانك، وحين تفتقد اي ملاذ آمن، ولو لنزهة او دراسة او سياحة او عمل او حتى هروب؟!.
ام ان عدد سكان الكوكب زاد الى الدرجة التي لم يعد ممكنا فيها ان يحتمل فيها طرف، اي قادم جديد، فتصبح الحروب هنا من ناحية فلسفية بحتة، سببا في تخفيف عدد سكان الكوكب، كما الوباءات والأمراض، ومن اجل تجديد الحياة؟!.
المتأمل لحال اغلب الدول العربية يكتشف ان اغلب سكانها يرغبون بالهرب او الفرار لاعتبارات سياسية وامنية واقتصادية، لكنهم لايجدون ملاذات آمنة تستقبلهم، فحتى تلك الدول التي تعد بمثابة «ملاذات آمنة» استوعبت فوق حاجتها من لاجئين او كفاءات.
معنى الكلام ان العالم العربي يقف على الحافة، فأي خراب جديد في اي دولة تعد آمنة اليوم، يعد كارثة، لاننا لحظتها لن نجد ولو هامشا قليلا من اجل الحياة، ووقتها سنعرف ان الحرب على الحياة في العالم العربي، حرب تشمل اثارها الجميع، وان فرصة النجاة تبدو منعدمة، او قليلة جدا، ويقال هذا الكلام لمن يتمنون ان يعم الخراب كل مكان.
يبدو الحل المثالي والوحيد للانسان العربي، هذه الايام، ان يموت مكانه، جائعا او غنيا، مضطهدا او غير مضطهد، فلا احد يريدك في هذا الكوكب، لا من ابناء عروبتك، ولا من بقية الكوكب، والسبب ليس الكراهية، بل لان الكوكب فاض بمن فيه، وبحمولته التي لم ترحم الكوكب ايضا، فدمرته، واستنزفت موارده، ولوثت بيئته.
ثم يأتيك ملياردير مصري ليقترح شراء جزيرة يونانية ليوطن فيها السوريين الهاربين، والحل مثير للغثيان، لكنه يحمل اعترافا ضمنيا، ان لا ملاذات آمنة متوافرة اليوم، الا عبر شراء جزيرة، من دولة مفلسة كاليونان، والتي اظنها تفضل الإفلاس، على بيع جزرها!.
ضاقت الدنيا، وضاقت الآفاق...هذه هي الخلاصة.
الدستور