مشروع قانون الانتخاب .. الخروج من العدمية
بلال حسن التل
06-09-2015 04:16 AM
الارتياح الذي قابل به معظم الأردنيين مشروع قانون الانتخاب الجديد حالة إيجابية يجب أن نبني عليها، لنخرج بوطننا من حالة العدمية والتشكيك والسلبية التي سيطرت على حياتنا عموماً وحياتنا السياسية على وجه الخصوص في السنوات الأخيرة وغذتها بعض القوى لحسابات حزبية ضيقة.
لقد جاء مشروع قانون الانتخاب كجزء من مقومات الحالة الإيجابية التي بدأتها الحكومة إلى أن توجتها بالإعلان عن مشروع قانون الانتخاب، لتكمل سلسلة القوانين الناظمة للحياة السياسية والبناء الديمقراطي في بلدنا، من خلال إصدارها لقوانين الأحزاب والبلديات واللامركزية وأخيراً الانتخابات البرلمانية.وعلى الرغم من كل ما قد يقوله البعض عن وجود مثالب ونواقص في هذه القوانين لكنها بالمجمل تشكل نقلة نوعية يجب البناء عليها وتطويرها فلا شيء يولد مكتملاً، وليس في الوجود جهد بشري كامل، بل إن السعي إلى الكمال يفرض علينا أن نخرج من دائرة العدمية والإحباط والتشكيك، إلى دائرة الفعل الذي يبنى على الإيجابيات، وهي في حالتنا هذه تتمثل في الاحتكام إلى الصناديق وما تفرزه.
وبعد ذلك فإن أي فريق يستطيع أن يحصل على أغلبية برلمانية يصبح من حقه إكمال النواقص التي يراها في أي تشريع. خاصة وأن دستورنا ونظامنا البرلماني يسمح بذلك، بل هو قائم أساساً على المرونة في التشريع. فلا مقدس لدينا وتجربة بلدنا غنية في مجال تعديل التشريعات وفي مقدمتها الدستور، الذي تعرض في السنوات الأخيرة لعملية تعديل واسعة من خلال الأطر التشريعية، وهي الأطر التي تدفعنا للدعوة إلى مقابلة مشروع قانون الانتخاب الجديد بروح إيجابية، وهي دعوة موجهة للجميع وفي مقدمتهم مجلس الأمة، وخاصة غرفته الأولى ممثلة بالنواب، الذين نحب أن يتجرد كل واحد منهم من هواه، ومن مصلحته الشخصية، ودائرته الضيقة، وأن يتذكر أنه نائب وطن، وأنه عندما يُشرع فإنه لا يُشرع لنفسه ولا لعشيرته ولا لمدينته ولا لمحافظته، ولكنه يشرع لهؤلاء جميعاً في إطار التشريع للوطن كله، ومن ثم فإن عليه أن يتذكر وهو يناقش مشروع قانون الانتخاب بالذات المكونات الجغرافية والسكانية لهذا الوطن بالإضافة إلى صورته الخارجية التي نحب أن تكون مشرقة من خلال تقديم نموذج ديمقراطي لوطن مستقر وشعب آمن، في منطقة مضطربة وشعوب قلقة خائفة مشردة.
وإذا كانت صورة وطننا في الخارج مهمة فإن صورته في الداخل ولدى أبنائه أهم، والتشريع المتوازن الذي يخرج من خلال سلطة تشريعية متوازنة تقدم مصالح الوطن العليا على مصالح أفرادها من أهم أدوات بناء صورة هذا الوطن في نفوس أبنائه، ومن ثم بناء ثقتهم بوطنهم ومؤسساته، وهذا تحدي يفرض نفسه على النواب بين يدي مناقشتهم لمشروع قانون الانتخاب، وهي المناقشة التي نتطلع إلى أن تجري بموضوعية وحيادية وبتضحية بالمصالح الشخصية الآنية من قبل النواب، الذين نأمل أن ينهوا ولا يتهم بإنجاز تاريخي عبر إقرار قانون انتخاب يعيد لشعبنا تلاحمه الذي مزقه الصوت الواحد، ويعيد له اعتباره من خلال قدرته على اختيار نواب يمثلون إرادته، يساهم نواب المجلس الحالي في صناعتهم من خلال تجردهم في مناقشة مشروع القانون، التي قد تشكل فرصة لعودة الأكفاء منهم إلى القبة عبر هذا القانون. والأهم من هذا أن نعيد إلى شعبنا تماسكه الذي أضعفه الصوت الواحد.
وإذا كنا نعول على النواب في البناء على الجوانب الإيجابية في مشروع قانون الانتخاب الجديد، فإننا نتمنى أيضا أن تغادر الكثير من القوى السياسية في بلدنا هي الأخرى مربع التشاؤم والعدمية، بل ومربع الأنانية التي تجعلها تدور في فلك ذاتها وأوهام قوتها، خاصة وأن بعض هذه القوة تدفع الآن أثماناً غالية جراء عدميتها التي أبعدتها عن قبة البرلمان، وأفقدتها الكثير من حضورها في الشارع، بل وجعلت بأسها بينها شديدا، وصارت شيعاً وأحزاباً تتنابز بالألقاب وتتبادل الاتهامات. فهاهي الفرصة تفتح من جديد أمام كل القوى السياسية في بلدنا لتعود إلى ممارسة الديمقراطية الراشدة، من خلال اعترافها أولاً بأنه لا أحد بإمكانه أن يكون نداً للدولة، أو أن يُشكل ثنائية معها أو أن يلوي ذراعها. وأن يؤمن الجميع بأن لا أحد يمتلك الحقيقة واحدة، وأنه من المستحيل تفصيل قانون على مقياس جهة بعينها، حزباً كانت أم جماعةً أم مبادرة أم عشيرة أم قبيلة.
ومثل القوى السياسية المؤطرة فإننا نتمنى على سائر النخب الأردنية في شتى المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والفنية أن تغادر سلبيتها وعدميتها، بأن تبادر إلى المساهمة في العملية الانتخابية سواء من خلال الانخراط في النقاشات الدائرة حول مشروع قانون الانتخابات، والتعامل مع الجوانب الإيجابية منه، وصولاً للمشاركة الفاعلة في عملية الاقتراع، لأن هذه المشاركة هي وسيلتنا لإخراج مجلس نيابي يعبر عنا تعبيراً صادقاً، بدلاً من أن تقودنا سلبيتنا مرة أخرى إلى مربع الندم حيث لا ينفع الندم، وليتذكر كل واحد منا أنه سيدفع غالياً ثمن تقاعسه عن الإدلاء بصوته لمن يستحقه عندما تصدر تشريعات تحكم حياته قد يصدرها أناس لا يهتمون بتفاصيل هذه الحياة وميولها ورغباتها، لذلك فعلى كل واحد منا أن يتذكر أن صوته قد يكون حاسماً ومفصلياً في اختيار نائب سيسهم في رسم حياتنا على غير ما نريد.
خلاصة القول في هذه القضية هي: أن مشروع قانون الانتخاب يفتح نافذة أمل أمامنا، لندلف إلى حياة برلمانية أفضل، بعد أن وضعت الحكومة أمامنا من مشروع القانون كأساً فيه الكثير من الماء العذب الزلال، وصار علينا أن نملأ باقي الكأس بالمزيد من هذا العذب الزلال، بمغادرتنا لمربع التشاؤم والإحباط والعدمية والسلبية فهل نحن فاعلون؟!
الرأي