نظرة تحليلية لظاهرة إطلاق الأعيرة النارية في المناسبات
05-09-2015 10:59 PM
عمون- أكدت نظرة تحليلية لظاهرة إطلاق الأعيرة النارية في المناسبات على دور جمعيات ومؤسسات المجتمع المدني في مكافحة هذه الظاهرة الخطرة التي تعكس صورةً سلبية عن المجتمع الأردني الواعي الواعي.
وشدد المحاميان بشار الدباس ويوسف خشمان من منظمة ارض العون القانوني اللذين اعدا هذه النظرة أن دور مؤسسات المجتمع المدني يتاتى من خلال نشر الوعي الثقافي وعقد المحاضرات وورش العمل والتثقيف بمخاطر إطلاق الأعيرة النارية، وزيادة الوعي القانوني لدى المجتمع وبيان العقوبات الجزائية نتيجة هذه الأفعال، وتفعيل دور وسائل الإعلام المختلفة، وذلك بنشر مخاطر ومساوئ إطلاق الأعيرة النارية.
وأكدا على أهمية استمرارية عملية الرصد والتوثيق من الجهات المعنية لهذه الحالات ونشرها لتوضيح أثر حملات التوعية والتشريعات القانونية الرادعة في التقليل والحد من هذه الظاهرة، وهو ما ترمي له (أرض-العون القانوني) من خلال أنشطتها المختلفة في مجال نشر الوعي القانوني للوقاية وزيادة الثقافة القانونية في المجتمع بين الأفراد وخاصة فئات الشباب.
وتاليا نص النظرة كاملة
• مقدمة:
إن من أحد أخطر الظواهر السلبية في المجتمع ظاهرة إطلاق الأعيرة النارية في المناسبات الإجتماعية، حيث أنها تشكل خطراً جسيماً تحدق بسلامة الإنسان والممتلكات العامة والخاصة على حدٍ سواء.
لوحظ مؤخراً ازدياد استخدام الأفراد للأعيرة النارية في الأفراح والمناسبات كالأعراس والنجاح وغيرها، والتي بدورها حولت أفراحنا إلى أتراح نتيجة إزهاق أرواح بريئة وإحداث إصابات وعاهات جسدية ترافق الشخص الذي تعرض لها مدى الحياة جراء الرصاصات المتطايرة والمرتدة ومسببة في ذات الوقت مشاكل اجتماعية هم في غنى عنها (بين أهل المصاب ومطلقي الأعيرة النارية)، وأقل الآثار التي ترافق إطلاق الأعيرة هو إقلاق الراحة العامة للمجاورين وعدم مراعاة المرضى وكبار السن وإثارة الخوف والرعب في نفوس الأطفال، وناهيك عن تذكير صوت إطلاق الأعيرة لبعض اللاجئين الذين يسكنون في المجتمعات بأصوات مرعبة بالنسبة لهم بسبب ما شهدوه في بلادهم من مظاهر حرب.
إن إطلاق الأعيرة النارية يعتبر وباء وآفة خطرة جداً، حيث أن الرصاص المتطاير والمرتد على الأرض، وما لا يدركه الكثيرون أن ارتداد الرصاص يأخذ سرعة الرصاصة وقت الإطلاق، يمكنه أن يخترق أجساد الأطفال والكبار، محولة إياهم إلى جثث أو أجساد ذات إعاقة، أضف لذلك أي ضرر مادي في الممتلكات، وكل ذلك إعتقاد من مطلقها أنه يدخل البهجة والفرح إلى النفوس أو يزيد شعورهم بالفخر والاعتزاز بالذات والتباهي أمام المجتمع، مع عدم مراعاة القوانين والأنظمة التي تحظر هذه الأفعال وضاربين بعرض الحائط الشرائع السماوية وما تحرمه من أفعال تودي إلى التهلكة، وكل ذلك على حساب أرواح بريئة لا ذنب لها سوى أنهم كانوا متواجدين في شرفات أو ساحات منازلهم أو حتى مرورهم مرور الكرام.
• إحصاءات:
بالرغم من صعوبة توفر إحصاءات موثقة ومفصلة صادرة من جهات رسمية لحالات إطلاق الأعيرة النارية في المناسبات على وجه الخصوص، إلا أن مديرية الأمن العام- مركز الدراسات الإستراتيجية الأمنية قد أصدر الجدول أدناه والذي يبين أرقام تقريبية إحصائية حول ما سجل من حالات جراء إطلاق الأعيرة النارية في المناسبات:
العام عدد الحالات
2002 351
2003 389
2004 280
2005 291
2006 255
2007 250
2008 320
2009 495
2010 366
2011 388
2012 395
2013 515
ولتقريب الصورة لمعلومات الجدول أعلاه، فإن الرسم البياني التالي يوضح أن عدد الحالات يتزايد في كل سنة، وهذه النسب متوقع للأسف أن تكون مرتفعة أيضاً في عامي 2014 و 2015.
أما عند العودة إلى الأرقام الصادرة عن دائرة المعلومات الجنائية في الأمن العام، فقد وثّقت تسجيل (2413) حالة إطلاق عيار ناري في 2014، طائشة وغير طائشة، بزيادة بلغت 29 % عن العام الذي سبقه بما يؤكد على خطورة هذه الظاهرة وفعاليتها، مما يستوجب التفاتة أكثر صرامة من المعنيين ومن أفراد المجتمع بشكل عام. وفي تحليلنا لهذا الرقم المرتفع، نوضح أن المجموع كان رصداً لكافات حالات إطلاق الأعيرة النارية سواءً خلال مناسبات أو غيرها من الحالات مثل الصيد.
وعند الرجوع لما هو متوفر من إحصاءات حول هذه الظاهرة، نجد أن إحصاءات إقليم الوسط (البلقاء، الزرقاء، مادبا)، على سبيل المثال، في الفترة ما بين 1/1/2009 ولغاية 1/6/2012 قد بينت أن أعداد الحالات المسجلة لإطلاق أعيرة نارية (دون تحديد فيما إذا كانت خلال مناسبات أم لا) بلغت (97) حالة، نتج عنها (41) إصابة و (4) وفيات، حسب ما أفاد به العميد عبدالمهدي الضمور خلال مقابلته التلفزيونية في برنامج شؤون قانونية ودستورية –آب 2015.
• قوانين وتشريعات:
إن المشرع الأردني وفي عدة قوانين وتشريعات وإجراءات عملية، قد شدد العقوبات على مطلقي الأعيرة النارية المخالف للقانون وخصوصا في المناسبات، بل توسع بها ليشمل من يحوز سلاح ناري دون ترخيص، فقد عاقب بموجب المادة (165) من قانون العقوبات بالحبس مدة لا تتجاوز ستة أشهر وبغرامة أقصاها عشرة دنانير كل من حمل خارج منزله سلاحا ممنوعا من الأسلحة.
كما أن مدعي عام الجنايات الكبرى بات يُسند للشخص مطلق العيار الناري في حال وفاة شخص نتيجة إطلاقه العيار ناري تهمة القتل القصد بدلاً من القتل الخطأ حيث أن جريمة القتل القصد تصل عقوبتها إلى الأشغال الشاقة لمدة 20 عاماً عملاً بأحكام المادة (326) من قانون العقوبات الأردني (قرار محكمة تمييز). وفي حال وفاة أكثر من شخص نتيجة إطلاق عيار ناري فإن العقوبة تغلّظ لتصل إلى الأشغال المؤبدة (مادة 68 العقوبات). وفي حال نتج فقط إصابات دون وفاة فإن العقوبة تصل إلى عشر سنوات أشغال شاقة (مادة 70 العقوبات)، معللين ذلك بالقصد الاحتمالي بأن الفاعل عليه أن يتوقع النتيجة وإلا اعتبر قبوله بالمخاطرة فيتحمل مسؤولية تصرفاته (مادة 64 من العقوبات).
كما وأفرد المشرّع قانوناً يدعى (قانون الأسلحة النارية والذخائر وتعديلاته رقم 34 لعام 1952) والذي تطرق بالمادة (11-ج) منه إلى أن يعاقب بالحبس مدة ثلاثة أشهر أو بغرامة قدرها ألف دينار أو بكلتا هاتين العقوبتين كل من أطلق عيارا ناريا دون داع أو استعمل مادة مفرقعة دون موافقة مسبقة ويصادر السلاح المستخدم سواء كان مرخصا أو غير مرخص .إضافة لإدانة من يحمل سلاح ناري دون حيازة التراخيص اللازمة بتهمة جنحة حسب (المادة 3 و المادة 4) من ذات القانون وبعقوبة لا تتجاوز الثلاث سنوات ومصادرة السلاح.
دور وزارة الداخلية والحاكم الإداري:
وهنا يجدر بالذكر دور الحاكم الإداري في تطبيق القوانين والأنظمة الرادعة واتخاذ جميع الإجراءات القانونية بحق مطلقي الأعيرة النارية المستهترين، حيث أن للحاكم الإداري دور مهم في إجراءات الحفاظ على الأمن ومنع وقوع الجرائم ولامتلاكه السلطة لاتخاذ جميع الإجراءات والاحتياطات الأمنية اللازمة، وأيضا ضمن صلاحيات الحاكم الإداري توقيف مطلق النار وصاحب الفرح أو العريس وإلغاء الحفل ومصادرة جميع الأسلحة، بالإضافة إلى أخذ التعهدات اللازمة من أصحاب الفرح قبل موعده
بالامتناع عن إطلاق الأعيرة النارية وتحميل العريس ووالده المسؤولية عن ذلك ضمن إجراءات حازمة وواضحة.
ولا بد من ضم صوتنا إلى صوت معالي وزير الداخلية سلامة حماد ودعم مشروع قانون جديد للاسلحة والذخائر والذي يهدف اولا الى تغليظ العقوبات على مطلقي الأعيرة النارية بدون داعي او سبب قانوني، ومنع ترخيص الأسلحة الأوتوماتيكية ووضع أسس جديدة لموضوع اقتناء وحمل الأسلحة، علما أن مشروع القانون قد تم رفعه لديوان التشريع والرأي في رئاسة الوزراء.
• نواحي دينية و إجتماعية:
و من ناحية دينية تبين الحرمة الشرعية ووفقاً لما صدر عن دائرة الإفتاء العام في فتوى بحثية مفادها عدم جواز إطلاق الأعيرة النارية في الهواء بمناسبة الأفراح وغيرها من المناسبات، للأسباب التالية:
1. لما فيه مِن تخويف وأذى للمسلمين، فقد حدث كثيراً أن بعض هذه الطلقات أصابت بعض الناس عن طريق الخطأ فأدت إلى وفاتهم أو جرحهم، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُرَوِّعَ مُسْلِمًا) رواه أبو داود. وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد نهى عن حمل السلاح مكشوفاً خشية أن يؤذي المسلمين عن طريق الخطأ، ونهى عن الإشارة بالسلاح إلى المسلم خشية أن تزل يده بنَزْغٍ من الشيطان الرجيم، فكيف بمن يستعمل السلاح فعلاً ويتسبب بأذى المسلمين؟! قال صلى الله عليه وسلم: (إِذَا مَرَّ أَحَدُكُمْ فِي مَسْجِدِنَا أَوْ فِي سُوقِنَا وَمَعَهُ نَبْلٌ فَلْيُمْسِكْ عَلَى نِصَالِهَا، أَوْ قَالَ: فَلْيَقْبِضْ بِكَفِّهِ أَنْ يُصِيبَ أَحَدًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِنْهَا شَيْءٌ) متفق عليه. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَنْ أَشَارَ إِلَى أَخِيهِ بِحَدِيدَةٍ فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَلْعَنُهُ حَتَّى يَدَعَهُ وَإِنْ كَانَ أَخَاهُ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ) رواه مسلم. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لَا يُشِيرُ أَحَدُكُمْ إِلَى أَخِيهِ بِالسِّلَاحِ فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي أَحَدُكُمْ لَعَلَّ الشَّيْطَانَ يَنْزِعُ فِي يَدِهِ فَيَقَعُ فِي حُفْرَةٍ مِنْ النَّارِ) رواه مسلم.
2. أنه إتلاف للمال بلا فائدة، وهذا تبذير وإسراف نهى الله تعالى عنه بقوله: (إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا) الإسراء/27.
3. العتاد الذي يُستهلك إنما صُنع للدفاع عن الدين والوطن والمواطنين، فلا يجوز استعماله بهذه الطريقة العبثية البعيدة عما خلق هذا السلاح من أجله، واستعمال النعمة في غير ما خلقت له هو من كفران النعمة.
4. لقد نهى ولي الأمر عن إطلاق النار بهذه المناسبات، وإذا نهى ولي الأمر عن مباح فلا يجوز فعله، فكيف إذا نهى عن هذه الأمور وفيها من المخاطر ما ذكرنا.
• خاتمة و توصيات:
وهنا لابد من التأكيد على دور جمعيات ومؤسسات المجتمع المدني في مكافحة هذه الظاهرة الخطرة التي تعكس للأسف صورةً سلبية عن مجتمعنا الأردني الواعي، وذلك عبر نشر الوعي الثقافي من خلال عقد المحاضرات وورش العمل والتثقيف بمخاطر إطلاق الأعيرة النارية، وزيادة الوعي القانوني لدى المجتمع وبيان العقوبات الجزائية نتيجة هذه الأفعال، وتفعيل دور وسائل الإعلام المختلفة، وذلك بنشر مخاطر ومساوئ إطلاق الأعيرة النارية. إضافة إلى أهمية استمرارية عملية الرصد والتوثيق من الجهات المعنية لهذه الحالات ونشرها لتوضيح أثر حملات التوعية والتشريعات القانونية الرادعة في التقليل والحد من هذه الظاهرة، وهو ما ترمي له (أرض-العون القانوني) من خلال أنشطتها المختلفة في مجال نشر الوعي القانوني للوقاية وزيادة الثقافة القانونية في المجتمع بين الأفراد وخاصة فئات الشباب.