حرية النشر والتعبير واحدة من أهم خصائص الديمقراطية ، حتى أن رئيساً أميركياً قال: لو خيرت بين حكومة دون صحافة حرة ، أو صحافة حرة دون حكومة ، لاخترت الصحافة الحرة لأنها أهم من الحكومة.
لا يخلو هذا القول من مبالغة تهدف إلى التشديد على أهمية الصحافة الحرة ، ذلك أن حكومة بدون صحافة حرة لا يمكن أن تكون حكومة ديمقراطية ، وبالتالي فإن غيابها قد يكون أفضل من حضورها.
لكن الاختيار ليس بين حكومة جيدة وصحافة حـرة ، فالإثنتان تسيران معاً ، والحكومة الجيدة لا تخشـى الصحافة الحرة ، أما الحكومة السيئة فهي المضطرة لتقييـد حرية الصحافة ظنـاً منها أن إسـكات الصحافة يؤمن لها السـكينة ، شأن النعامة التي تدفن رأسـها في الرمال حتى لا ترى الخطر الداهم.
ليس هذا مجال تقييم ما إذا كانت الحكومة جيدة بدرجة عالية أو متوسطة أو ضعيفة على حد تعبير اسـتطلاعات مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية ، فنحن بصدد تقييم ما إذا كانت الصحافة الأردنية حرة أو مقيدة ، وبرأيي أنها مثل الديمقراطية يمكن إعطاؤها خمس نقاط ونصف على سلم مكون من عشر نقاط ، وهو أمر مؤسـف حقاً ، لأن الأردن مؤهل لأن يقدم نموذجاً عربياً يحتذى في حرية التعبير.
فيما يلي سأعالج أوضاع الحريات في صحافتنا من واقع تجربة شخصية طويلة في ممارسة صحافة الرأي ومتابعتها عن كثب خلال 45 سنة ماضية.
هناك كتّـاب لا يقرأ رئيس التحرير مقالاتهـم بل يحولهـا للنشر مباشرة ، لأن سـقف رئيس التحرير أعلى من سـقوفهم ، وبالتالي لا داعي لفحص ما كتبوا والتأكد من أنه لا يتجاوز خطوطاً حمراء ، فهـم لا يصلون حتى إلى الخطوط البرتقالية، حتى لو كان بعض ما ينشره هؤلاء يثير غضب القراء ويستفز مشاعرهم.
وهناك كتّـاب يقرأ رئيس التحرير مقالاتهم بعناية شـديدة ، ليس لفهم ما فيها فقط ، بل لاسـتخلاص ما قد يكون بين السطور ، لأن رئيس التحرير يتحمل عواقب ما ينشره له. ويبقى أن القارئ الأردني ذكي ويعتمد عليه. الراي