تخيَّلوا أنْ تنشرَ الصحفُ صورَ الرجالِ الذين يتحرشونَ بالنساءِ، تحت عنوان "الحكم على متحرِّش بالسجنِ ثلاث سنوات". دُونَ أنْ تُغطّي عينيه بالأسود، كما تفعلُ الصحفُ عادةً بالمتهمين.
دبي، فعلتْ ذَلِكَ، قبل سنوات. نشرتْ صورَ متحرشينَ في الصحف المحليّة. شاهدتْ عائلاتهم. بناتهم. أولادهم، وأصدقاؤهم صورهم في منتهى القبح والفضيحة، ذلك هو الردعُ بجرأةٍ وبقوةٍ وبابتكار.
الصورُ الأولى للمتحرِّشين في الصحف أثارت اهتمامَ المجتمعِ كلّه. إنها عقوبةٌ محمولةٌ على رسالةٍ شديدة الوقع: لا عيشَ لمن يُهينُ المرأةَ في مكانٍ، تختلطُ فيه نساءٌ من مئتي جنسيّة، من عربٍ وأجانب، من مسلمين ومسيحيين وهندوس وسيخ، وغيرهم. سرعانَ ما تراجعت نسبةُ التحرُّش في دبي إلى حدودها الدنيا في مدينةٍ مُصنَّفةٍ، بأنها "صديقةُ النساء". ليسَ لأنها عاصمةٌ الموضةِ في الشرق الأوسط، وليسَ لأنها مركزٌ للتسوُّقِ، وللسياحة. هنا ثمة من يعنيه حلّ هذه المشكلة.
تعملُ النساءُ في دبي، ويتجولنّ في فضاء هذه المدينة السعيدة، بثياب القرن الحادي والعشرين وروحه. بأدوار قيادية. بثقةٍ وافرة الإحساس بالأنوثة وحضورها ومكانتها.
إلى ذلك، توفرُ دبي خطّاً ساخناً سرياً، لضحايا التحرُّش. تتلقَّى متخصصاتٌ بالدعم النفسيّ الشكاوى، وتُحوَّلُ الى متخصصين في شرطة دبي. تستخدمُ هذه المدينةُ الذكيةُ آلاف الكاميرات المدعومة بالخبراء، للايقاع بالمتحرِّشين، بسرعةٍ، قلَّ نظيرها. يُسهِّل ذلك الحرجَ والحساسيةَ الاجتماعية على الضحايا، وينتهي المتحرِّشون إلى السجن أو الإبعاد، أو الى كليهما، فيرتفعُ مستوى النظافة، بعد ازالة الأوساخ بحنكةٍ وحكمةٍ ودراية.
كلُّ ذلك، شجَّع النساءَ على رفع صوتهنِّ. ما لا يستقيمُ بالأخلاق، يُقوِّمهُ القانون، فالتحرُّش ظاهرةٌ عالمية، تتعاظمُ في المجتمعات المغلقة والمتطرِّفة. دولتان من اكبر الدول العربية تحتلان المركز الاول والثاني عالمياً في ارتفاع نسبة التحرُّش، التي تنخفضُ الى أدنى مستوياتها في الدول الاسكندنافية.
الحلولُ موجودةٌ. أفضلُ الممارسات العالمية متاحة. أيضاً يُمْكِنُ استنساخ القوانين وتكييفها. يبقى أن تُناضل النخبُ الثقافية والاجتماعية، من أجل دعمِ النساء بأقصى ما يُمكن، من أجل حياةٍ نظيفةٍ. وإلاّ، فإنها هزيمةٌ أخرى..