شهداء الجيش الاردني في "رافات"
د.بكر خازر المجالي
03-09-2015 01:35 AM
قادتنا الدراسة في توثيق اضرحة شهداء الجيش العربي الاردني على ارض فلسطين الى بلدة وادعة الى الغرب قليلا من رام الله هي بلدة رافات. كل ما في الامر انه قبل سنوات قابلت ضابطا متقاعدا اردنيا ليتني اتذكر اسمه وتحدث عن القتال في بلددة رافات في حرب حزيران 67 وقد كان مرابطا فيها ،واستشهد معه العديد من الجنود ودفنوا في رافات.
ومع بدء تنفيذ مشروع توثيق اضرحة الشهداء الذي تنفذه القوات المسلحة الاردنية وزيارة مواقع القتال والشهادة والاضرحة كانت زيارة رافات لنسأل عن الشهداء فيها بعد 48 سنة على حرب 67 ،وتكون المفاجأة بأن الشباب في البلدة يعرفون عن شهداء الجيش الاردني بل عن قتالهم ،وقالوا بالحرف الواحد : بلا اي مجاملة الجيش الاردني عندنا كان دائما يقاتل حتى النهاية .....
وأخذنا نتنقل في البلدة الجبلية الجميلة على خط نار 67 واجتمع العديد من اهل البلدة هم من الشباب وصغار السن ،يحملون جميهم التقدير لنا كضيوف اردنيين ، ويكرروا كلمة انتو اهلنا واخوتنا ، قادنا الاخ سامر طه الى موقع مدفعية في منطقة اسمها الواد ، ثم انتقلنا الى موقع اسمه الشياح مع تزايد اعداد اهل البلدة الذين تلاقوا وقال شهود عيان هنا في هذا الموقع استشهد ثلاثة جنود اردنيين بقصف مدفعي معادي ، وهناك في موقع اسمه (العباص ) استشهد العديد من الاردنيين وهو يقاتلون ،
وهنا تبدأ دراما حقيقية ونحن نقف في حديقة منزل السيد عبدالقادر فيصل جابر ، كنا نقف في حديقة شهداء ، ما بين شجرة تين وارفة الظلال ومعرش عنب كبير ،وهنا قال صاحب الحديقة هذه نسميها للان ومعروف اسمها في البلدة بانها عريشة الشهداء ،والسبب ان اهل البلدة جمعوا شهداء الجيش الاردني من وسط واطراف رافات ودفنوهم هنا تحت هذه الدالية وقالوا ان عددهم اربعة عشر شهيدا وأضاف احدهم ان بينهم اكثر من مسيحي واحد .
ساد صمت ونحن نسمر عيوننا في العريشة نخاطب بلغة الوفاء والتاريخ هؤلاء الشهداء ،خاصة بعد ان وصفوا لنا حال الشهداء الذين تعرضوا لقذائف مدفعية مباشرة ، لكن صاح السيد عايد عبد الحفيظ وقال كان والدي رحمه الله يحدثنا عن الشهداء وعن بطولاتهم وكان يحفظ اسم شهيد وحتى يحفظ رقمه العسكري وحاولنا معه تذكر الاسم او الرقم ولكن وعد ان يتحدث الى من كان والده يسامرهم علَّه يعرف اي معلومات. احاديث كثيرة وروايات عن الشهداء والحرب والتقدير لجيشنا الاردني وسط اعجابهم بمهمتنا في نبش التاريخ واستقصائه وشعرنا بتقديرهم لنا اكثر من تقدير العديدين بيننا وللاسف.
دراما حقيقية عشناها ونحن نقف مع اهل بلدة رافات يتحدثون بصدق عن ذكرياتهم ومشاهداتهم ، كل هذا ونحن في قرارة انفسنا نستحضر الشهداء تحت العريشة التي ترتفع بجدار من الحجارة العتيقة التي يصلح جدارها لتثبيت لوحة رخام تتحدث بكلمات من دم عن تاريخ من الوفاء الذي سطره هؤلاء الاربعة عشر شهيدا الراقدين في رافات.
نود لو نكتب بمداد من الدموع ونعجز عن شكر اهلنا في رافات وكل فلسطين ،وفي كل بلدة حكاية وقصة بطولة حين نرويها فانها وحدها هي التي تنسج علاقات الشعبين الاردني والفلسطيني بخيط من المحبة وبحرير الوفاء والتقدير.
بجانب عريشة الشهداء هناك في ركن تنتصب عربة مجرورة عسكرية قال لنا صاحب الارض والعريشة السيد عبدالقادر انها عربة عسكرية اردنية اشتراها قبل عشرين سنة بمبلع 500 دينار من تاجر يهودي يشتري الخردة العسكرية ، العربة لا زالت بعجلاتها الاصلية وهي من النوع الذي تقطره سيارات النقل المتوسطة او حتى الروفرات لشحن الامتعة وغيرها .. تأملنا فيها وهي نادرة وقال عبدالقادر كان واضحا عليها الرقم العسكري .
يوم من التاريخ .. ومع تاريخ الشهادة والعسكر الذين تركوا لنا كل الاثر الطيب بما خطوه ببنادقهم وبدمائهم من صور الكبرياء والشهامة ،ليست هذه القصة الوحيدة ولكن هذه جزء من تاريخ طويل هو الرسالة التي يجب ان ننقلها للجيل الحاضر وهي الحقيقة التي يمكنها ان تمهر وتصقل علاقات شعبينا لنكون معا في مستوى الشهادة وكبريائها وقيمها لنسمو الى مستوى التطلع للافضل والامثل . .