أحسنت الحكومة صنعاً بالافصاح عن مشروع قانون الانتخابات الجديد وطرحه لعامة الشعب من أجل إشعال الحوار والجدل بين كل الفئات، ابتداءً بالأحزاب والقوى السياسية، ومراكز الدراسات والأبحاث، وصولاً إلى كل أفراد المجتمع، لأن قانون الانتخابات يمثل رافعة من أهم روافع الإصلاح الحقيقي، بالإضافة إلى كونه أداة لبلورة الاتجاهات الوطنية المعبّرة عن ضمير الشعب والدولة الأردنية، ووسيلة مهمة لتمثيل طموحات الأردنيين وأهدافهم البعيدة إزاء مستقبل الأجيال القادمة التي من حقها علينا جميعاً أن نخلق لهم البيئة المناسبة التي تصلح لاستنبات الشخصية الحرة صاحبة الإرادة القوية، وتملك العزيمة والقدرة على حماية مكتسباتها.
المشروع المطروح يمثل بجوهره تلك الفكرة التي تم اتخاذها عبر لجنة الحوار الوطني التي تشكلت عام (2011م)، برئاسة دولة طاهر المصري، وكان وزير التنمية السياسية الحالي الدكتور خالد الكلالده أحد أعضائها، ولكن لم يتم تقبل الفكرة شعبياً انذاك، لأسباب كثيرة وظروف عديدة كانت تحيط بالمشهد المحلي والإقليمي، والفكرة بجوهرها تدور حول اعتماد القائمة النسبية المفتوحة على مستوى المحافظة.
الفكرة الجديدة ليست عودة إلى قائمة (1989م)، كما توهم بعضهم، ولا تمت إليها بصلة، لأن انتخابات عام (1989م) كانت تعتمد بجوهرها على انتخاب كامل المقاعد دون مبدأ النسبية، حيث أن النسبية تمثل جوهر مشروع القانون الجديد، وتمثل الفرق الجوهري الكبير، ولذلك ينبغي الذهاب إلى فهم مشروع القانون بصدقية ونزاهة، وعرضه بطريقة علمية موضوعية، من أجل الوصول إلى حوار شعبي ناضج، ومن أجل الوصول إلى ثمرة حقيقية تحقق المصلحة العامة بعيداً عن تضليل الرأي العام، وبعيداً عن الأهواء الفئوية بكل أبعادها.
فكرة القائمة النسبية معمول بها لدى دول كثيرة، ولكن التطبيق المثالي للقائمة النسبية يقتضي أن تكون على مستوى الوطن، حتى تنجح الفكرة في عالم الواقع والتطبيق الميداني، ومن أجل الوصول إلى كتل برلمانية متجانسة داخل البرلمان القادم، ومن أجل الانتقال نحو عملية الانتخاب والفرز على أسس برامجية، مما يسهّل عمل المؤسسة التشريعية من جهة، ويسهل عملية الانتقال التدريجي السهل نحو الحكومة البرلمانية.
الفكرة الجديدة تحمل قدراً من الإيجابيات، وتعد خطوة مهمة نحو الانتقال من مربع الصوت الواحد المجزوء، الذي عطل إمكانية التجمع عبر قائمة سياسية، وعطل إمكانية وجود القوى البرلمانية ذات التوجهات البرامجية السياسية داخل البرلمان، ولذلك فإن المشروع يفرض على المرشحين والناخبين الذهاب الإجباري إلى التجمع عبر قوائم معروفة لها توجهاتها وبرامجها التي تميزها عن غيرها.
لكن يجب أن يتوجه الحوار نحو سلبيات المشروع التي تظهر جلية في إمكانية التطبيق في المحافظات ذات الأعداد القليلة، حيث أن الغالبية العظمى من المحافظات تتراوح مقاعدها بين (3-5) مقاعد، مما يجعل القائمة المتشكلة من هذا العدد لا تحصل في حدها الأعلى على (25%) من الأصوات، ويقابلها 25% من المقاعد، وهذا يحتم حصول القائمة القوية في المحافظة الواحدة على مقعد واحد أو مقعد وكسور، مما يجعل النتيجة بعد التطبيق تكاد تؤول في النهاية إلى نتيجة الصوت الواحد، لأن أكبر قوة شعبية لا تكاد تحصل على (20-30)% من الأصوات في حدها الأعلى، ويكون العمل بالقائمة أكثر سهولة في التطبيق لدى الأعداد الكبيرة من المقاعد، وهذا لا يتوفر إلّا في محافظتي الكرك والبلقاء التي تملك ما يقارب عشرة مقاعد، مما يجعل إمكانية حصول القائمة الأولى والأقوى على مقعدين أو ثلاثة فقط، مما يجعلنا في دائرة تجزئة الأصوات وبعثرة القوائم، وهذا سوف يؤدي إلى نتيجة متقاربة مع أشكال البرلمانات السابقة.
الدستور