الدولة: موازنة البقاء بين الداخل والخارج
د. فارس بريزات
19-05-2008 03:00 AM
حسناً نفعل إذا ما استدرنا للداخل وبجدية أكثر من السابق. إذ تكمن قوة الدولة
الحقيقية في مدى إيمان مواطنيها بأنها دولتهم التي تحميهم: يتمتعون فيها
بحقوقهم ويقومون بواجباتهم تجاهها. هذا لا يعني التوقف عن متابعة الملفات التي
تهم الأردن إقليمياً وعالمياً ولكنه يعني المواءمة بين المصالح الخارجية
والإصلاحات الداخلية. ليس سراً أن مستوى الديمقراطية في الأردن تراجع عما كان
عليه في عام 2006 على الرغم من إجراء انتخابات بلدية ونيابية في النصف الثاني
من عام 2007. وليس سراً أيضاً أن ثقة الرأي العام في الحكومات المتعاقبة في
تراجع مستمر على الرغم من التفاوت بين حكومة وأخرى. ولم يتمكن البرلمان من
تغيير موقف الرأي العام تجاهه ليكون أقل سلبية وأكثر إيجابية. ولا يبدو أن
الأحزاب السياسية ستكون قادرة على تغيير الواقع السياسي ضمن المنظومة الراهنة
للعلاقات غير المتوازنة بين السلطات الثلاث. ويضاف لهذا كله أن التفاوت بين
الخطاب السياسي الرسمي فيما يتعلق بالاصلاح السياسي وتطبيقاته على أرض التي
تثير كثير من الأسئلة حول جدية هذا الخطاب.
تساهم هذه العوامل مجتمعة في تكريس الفجوة الموجودة بين مؤسسات الحكم والرأي
العام. يبدو أن التطورات التي حصلت خلال الأسابيع القليلة الماضية ساهمت في
تكريس فجوة الثقة هذه أكثر. قصة بيع الأراضي التي لم تلق استحساناً لدى الناس -
ربما ليس لأنهم ضد بيع الأراضي مبدئياً ولكن لنقص الشفافية وركاكة الحجج وعدم
طرح الموضوع للعامة في الوقت المناسب وبشكل مقنع. مراهنة الأردن على السياسة
الأمريكية في المنطقة التي لم يبقي خطاب الرئيس بوش في الكنيست قبل عدة أيام
هامشاً معقولاً لاستمرار المراهنة عليها بذات الاندفاع.
أمام هذه الحقائق ينبغي أن نعيد النظر بما نقوم به داخلياً وخارجياً دون أن
نعرض أنفسنا للمخاطر، أي إيجاد التوازن المحقق للأهداف دون دفع الثمن مرة أخرى.
داخلياً، ربما يكون من المناسب التفكير جدياً بطرح قانون انتخاب جديد يعمل على
أساس القائمة النسبية، تجري على أساسه انتخابات نيابية مبكرة يتبعها تشكيل
حكومة منتخبة من الأغلبية في مجلس النواب ليتحمل الناس من خلال ممثليهم مسؤولية
اتخاذ القرارات السياسية والاقتصادية المصيرية بما في ذلك النموذج الاقتصادي
الذي يرغبون به. النظام الانتخابي القائم الآن يحمل كثير من المخاطر لعل أبرزها
تعزيز الهوية الفرعية (الدينية، والعرقية) على حساب المواطنة والمساواة التي نص
عليها الدستور. وتقدم لنا لبنان والعراق نماذج للمحاصصة وعدوى الهوية الفرعية
وما قد ينجم عنها من خراب. عدم تغيير القانون قد يؤدي بنا – في ظل التفاوت
الاقتصادي بين فئات المجتمع المختلفة- إلى السير على النموذج اللبناني.
خارجياً، لا بد من إعادة تقييم توازنات القوة وعدم فقدان أي طرف على حساب الآخر
وهناك نماذج ناجحة لمثل هذا التوازن ولعل ما تقوم به تركيا وقطر على اختلاف
الإمكانات والأهداف يستحق التوقف والتفكير قليلاً.
f.braizat@css-jordan.org*