في الذكرى الخامسة والخمسين لاغتيال هزاع المجالي
د. فيصل الغويين
31-08-2015 12:27 PM
على أثر الانقلاب الذي أطاح بالعائلة الهاشمية في 14 تموز عام 1958، وتوتر العلاقات بين الأردن والجمهورية العربية المتحدة في عهد حكومة هزاع المجالي الثانية، سعت أمانة الجامعة العربية الى عقد مؤتمر لوزراء الخارجية العرب في بلدة شتورة خلال الفترة من 22 - 28 آب 1960، وكان الوفد الأردني للمؤتمر يتألف من موسى ناصر وزير الخارجية، ووصفي التل رئيس التوجيه الوطني، وعبد الحميد سراج سفير الأردن في لبنان.
توقفت الإذاعة الأردنية عن تعليقاتها منذ صباح يوم 23 آب 1960 عن مهاجمة الجمهورية العربية المتحدة، لرغبة الملك حسين، واستجابة الى طلب وزير خارجية لبنان الى جميع الدول العربية للتوقف عن الحملات العربية، تيسيرا لمهمة المؤتمر وعدم عرقلة أعماله.
ونظرا لان الرغبة العامة التي اتفقت عليها معظم الوفود المشاركة هي الوصول الى حلول وسط في القضايا المطروحة، فقد نتج عن المؤتمر فيما يتعلق بالعلاقات العربية ما يلي:
1- وجوب مضاعفة الجهد لاستمرار قيام جو من الود والتفاهم التامين، وضرورة تجنّب الاتهامات، وكل عمل أول قول من شأنه الإساءة الى العلاقات بين البلدان العربية، وخاصة ما ينشر في الصحف والإذاعة.
2- تأكيد التزام قواعد القانون والعرف الدوليين في شان اللجوء السياسي، وما يستتبعه من وجوب امتناع اللاجئ عن القيام بأي نشاط يعكر علاقات البلدان الشقيقة بعضها مع بعض. وصدرت الصحف الأردنية صباح يوم الاثنين 29 آب وهي تحمل نبأ الاتفاق بحروف كبيرة بارزة في صدر صفحاتها الأولى.
وعندما اتخذ مجلس الوزراء الأردني قراره بالموافقة على قرارات مجلس وزراء الخارجية العرب، كان هناك شعور عميق بالارتياح، وداعب النفوس أمل بان زوال أسباب الخلاف بين الأردن والجمهورية العربية المتحدة سيؤدي الى فتح صفحة جديدة في العلاقات.
اختتم مؤتمر شتورة أعماله ظهر يوم الأحد 28 آب، وقبل مرور أربع وعشرين ساعة كان الستار قد ارتفع في عمان عن المشهد الأخير من مشاهد الجريمة الدامية. وسقط هزاع المجالي مضرجا بدمه وهو على رأس عمله في مقر رئاسة الوزراء، كما يسقط الفارس عن ظهر جواده في ساحة القتال. ففي الساعة الثامنة والنصف وصل هزاع المجالي الى دار الرئاسة، لم يكن معه أي حرس، إذ كان قد الغى مرافقة الحرس له منذ عدة أشهر، على الرغم من نصائح المسئولين عن الأمن. وكان قد خصص يوم الاثنين من كل أسبوع لمقابلة أصحاب الحاجات والمظالم، فكم من مشكلة مستعصية عمل على حلها، وكم من ظلامة عمل على رفعها، وكم من صاحب حق أوصله الى حقه.
وفي الساعة الحادية عشرة والنصف من قبل ظهر يوم الاثنين 29 آب 1960 دوّى انفجار عنيف في الطابق الثاني من دار الرئاسة، فدمّر مكتب رئيس الوزراء. وبعد حوالي عشرين دقيقة على الانفجار، وبينما الناس في اضطراب وذهول، وبينما كان الذين نجوا يحاولون البحث بين الركام عن زملائهم، دوّى انفجار آخر في الطابق الأرضي من البناية. وقد نتج عن الانفجاريين استشهاد هزاع المجالي واحد عشر معه، وإصابة واحد وأربعين بجراح. كان ذلك أول حادث من نوعه في الأردن، وكان لنبأ الانفجار تأثير عميق في النفوس، وسخط الناس على الجريمة النكراء التي لم تستهدف زعزعة نظام الحكم فحسب، بل استهدف مدبروها قتل أكبر عدد ممكن من الأشخاص العاديين، لان الذين خططوا لها أرادوا أن تقع في يوم يأتي فيه المراجعون من المواطنين الى دار الرئاسة. إتّجهت أصابع الاتهام في حادثة اغتيال المجالي الى الجمهورية العربية المتحدة، وتحديدا الى جهاز المخابرات السوري برئاسة عبد الحميد السراج، في حين وجهت الجمهورية العربية المتحدة أصابع الاتهام الى الدول الاستعمارية خاصة بريطانيا وإسرائيل، للقضاء على بوادر التحسن في العلاقات بين الأردن والجمهورية العربية المتحدة.
أعلن الملك حسين بنفسه استشهاد رئيس وزرائه، ووصفه بأنه:"أخ وصديق مخلص حميم... قضى في سبيل الأردن والعالم العربي.. واستشهد أثناء قيامه بالواجب المقدس".
وفي اليوم نفسه عهد الملك حسين الى رئيس ديوانه بهجت التلهوني بتأليف وزارة جديدة تضم جميع أعضاء الوزارة السابقة. كما تم تشكيل لجنة تحقيق عسكرية برئاسة اللواء محمد السعدي مدير الاستخبارات العسكرية.
وفي 29 كانون الأول 1960 أصدرت محكمة امن الدولة الخاصة حكما بإعدام كل من صلاح الصفدي، ومحمد يوسف الهنداوي، وهشام الدباس، وكريم شقرة. كما أصدرت حكما غيابياً بإعدام زين عبيد، وشاكر الدباس، وكمال شموط، وزكريا الطاهر، وسعيد البرغوثي، وبرهان الأدهم، وبهجت مسوتي.
وفي الصباح الباكر من آخر يوم من أيام سنة 1960، نفذ حكم الإعدام شنقاً بالأشخاص الأربعة الأوائل في ساحة المسجد الحسيني في عمان. وفي الفترة من 30 كانون الثاني الى 4 شباط 1961، عقد في بغداد مؤتمر وزراء الخارجية العرب، وكان أول مؤتمر تشترك فيه جميع الدول الأعضاء في الجامعة العربية منذ عام 1958. وقد نتج عن المؤتمر تحسن العلاقات بين الأردن والجمهورية العربية المتحدة، وتوقفت الحملات الإعلامية بين الطرفين، وبدأ الملك حسين يميل الى الاعتقاد بأن عبد الناصر لم يكن شخصياً طرفاً في قضية اغتيال هزاع المجالي.
وحدث في عام 1964 أن الملك حسين ذهب على رأس وفد كبير لزيارة الرئيس جمال عبد الناصر، ولقي الوفد ترحيباً من عبد الناصر الذي صرّح ذات يوم للملك ومن معه أنه لم يكن يعلم بتدبير حادث التفجير في الرئاسة.، وان مصر لم يكن لها علم به قبل وقوعه.