كان يأتيني هاتفه الصباحي مبكرا، في الثامنة، وربما قبل ذلك، وقبيل ان ارد اعرف ان توبيخا ساخنا جعل الرجل يطلبني في هذا الصباح المبكر، فأرد مستمعا الى تعنيفه السياسي على مقال لم يعجبه.
لم اكن املك الا الاستماع اليه، لاسباب كثيرة، فمن يعمل في الاعلام يميز في الدوافع والاشخاص والوجوه، ومثله كنت انصت اليه جيدا، فيدفعك في الحد الادنى الى التوازن بدلا من الميل هنا او هناك.
رحل زياد ابوغنيمة، رحمه الله، وبقي للرجل مكانته بين الاعلاميين، وان كان خطه السياسي يختلف عن كثيرين، لكنه نسج علاقات واسعة، معهم، وكان لهم تأثير هنا وهناك.
عرفته بعد تخرجي من الجامعة مباشرة، عام 93، وكنت اغطي البرلمان، وكان لديه طموح ذات يوم ان يترشح للانتخابات النيابية، وكان معتدل المزاج عموما، له علاقات مع كثيرين، مسؤولين ومعارضة، لانه لم يكن متشددا ولا اتهاميا بشكل لايمكن احتماله، وان كان في لغته حدة يعرفها كثيرون، لكنه لم يفتقد الطيب في معدنه، ولا اللياقة في معاملاته.
كان رحمه الله يبدي اعجابه بالتحقيقات الانسانية التي كنا ننشرها في «الدستور» على مدى سنين متواصلة، وكان يأتي لمكتبي دوما ليقول عليك ان تحافظ على صلاتك، فكل عمل الخير الذي تعملونه للفقراء والايتام والمساكين، لايكتمل دون صلاة، فهي اساس الدين.
في مرات كان يغضب بشدة، ولايمتنع عن ابداء مداخلة حادة، ويغلق السماعة دون انتظار لاجابة او تفسير حتى، فقد كان واثقا من تأثيره، فهو ابن الاعلام ايضا، وفيه حدة لله، لايمكن الا ان تحتملها.
كتبت مقالا ذات مرة اثار غضبه، فلم يسكت ورشقني برد الكتروني قال فيه انني ونتنياهو نفكر بذات الطريقة، تبسمت يومها بمرارة، فقد يقبل الانسان اي تهمة في حياته، عدا التطابق مع نتنياهو، وكل الجرائم تهون في الارض والسماء امام هكذا تطابق ولو بالصدفة، ولربما هذه المداخلة الاكثر وجعا في حياتي.
يكن له كثيرون احتراما خاصا، وانا احد الذين يحترمونه بشدة، ويجلونه، على مابيننا من تراشقات، لكنه كان يتسم عن غيره من سياسيين بكونه يناقش ويسمع في اغلب الحالات، ويتوسم في الشخص خيرا، ولايرى فيه شرا مطلقا، بل يسعى بصبر عجيب ان يحفر في من امامه تأثيرا ولو جزئيا.
كنا نتمنى ان يتعلم غيره منه، لان غيره ينطلقون ضدك في مرات ويتمنون حرقك لمجرد خلاف في الرأي، وكان الراحل يعرف جيدا الفرق بين المقال المتزن، وذاك المختل، ويلتقط السموم الناعمة وراء الكلام.
شخصيا لااحب الكتابة عن راحلين، لكننا في حالات محددة، نجد انفسنا غير قادرين على تجاوز اسماء محددة في حياتنا، ابدا، احبنناهم ام اختلفنا معهم، لان بعض هؤلاء لم يكونوا عابرين في هذه الحياة، ولا في خبراتنا.
رحم الله زياد ابوغنيمة، واحسبه عند الله من اهله.
الدستور