رحم الله زياد أبو غنيمة ..الصديق الذي ذهب إلى ربّه حاملاً معه إرثاً عظيماً من العطاء أبقى نسخةً مصدقةً منه بين أيدينا لمن يريد الاطلاع..
حين ضاقت بي الدنيا و أنا في سجن «سواقة» سنة 1996 لأن لا أحد يثير قضية أديب شاب خلف القضبان مسجون بسبب الحريّة و الكلمة وكان زياد أبو غنيمة –يومها- فارساً من فرسان جريدة شيحان التي كانت تطلق الرصاص و ترعب عندما تنشر .. فهرّبتُ إليه من سجني حكايتي .. فانتصر لي ..وكتب عنّي أكثر من مرّة مطالباً بالإفراج عني ..وكان السجانون يهرّبون لي ما يكتبه عنّي ..والسجانون اليوم ؛ منهم من تقاعد ومنهم من صار ضابطاً كبيراً ..كانت كلمات زياد تؤنسني و ترفع من معنوياتي ..
و دارت الأيام و أصبحت زميله في الكتابة اليومية في جريدة الأنباط منذ تأسيسها مروراً بمعاركها وحتى خفتانها ..وكنتُ معه من ضمن مجموعة من الكتّاب الذين يضعون المتفجّرات في الكتابة و الذين سببوا قلقاً و صداعاً دائماً للسلطات أيّامها ..ما زلنا ندفع ثمنه لليوم جوعاً و تهميشاً ..
ذات يوم من تلك الأيام ..دُعينا مع إعلاميين كثر إلى منزل وزير كبير ..وأنا القادم من الغور لتلك الجلسة ..فأجلسني زياد بجانبه و كان أمامه «صحن مكسّرات» من النوع الفاخر ولمّا رآني لابساً خجلي؛ قال لي : مِدْ إيدك ..إذا هبّت رياحك فاغتنمها..فابتسمتُ ولم أمد..فكمش وأعطاني فأخذتُ وهرّبتُ الكمشة لجيبي سرّاً لأنه لا يعلم – رحمه الله – إنني أمتلك في فمي –حينها- بقايا أسنان تمنعني من اغتنام أي شيء ..!!
شعرتُ بغصّة حقيقية حينما وصلني خبر وفاته ..لأنه من القليلين المخلصين الذين أثق فيهم و الذي قاد معارك كثيرة بنظافة و طهارة ..و لم يكن متحجراً ..بل كان منفتحاً على الآخر ..صاحب نكتة و خفة ظل ..وأحياناً كان يلجأ للأسلوب الساخر في كتابته التي كانت صواريخ بحق ..
رحم الله (أبا محمود) عاش عظيماً ومات عظيماً.. وكل العزاء لأبنائه أصدقائي الذين لا ألتقيهم أو أتواصل معهم إلا صدفةً .. و لهم أن يرفعوا رؤوسهم برجل مثل أبيهم.
الدستور