ان الأمم التي بلغت المرتبة المتقدمة في الرقي والحضارة والابداع والابتكار في جميع المجالات وقفزت الى مصاف المجتمعات المتحضرة وصدارة العلم قد خلدت لاجيالها تاريخاً زاخراً ومجداً وذكراً طيباً كتب في جبين التاريخ بماء الذهب وغدت مضرباً لمثل يحتذى ومعلما يشار اليه بالبنان..

ان السر في ذلك هو عُلو الهمة والهمة العالية والتي وصفها ابن القيم بقوله (علو الهمة الا تقف (اي النفس) دون الله ولا تتعوض عنه بشيء سواه ولا ترضى بغيره بدلاً منه ولا تبيع حظها من الله وقربه والأنس به والفرح والسرور والابتهاج به بشيء من الخسية الفانية) كما قيل كن رجلاً في الثرى وهمة في الثريا وما افترقت الناس الاً في الهمم فمن علت همته علت رتبته ولا يكون احد الا فيما رضيت له همته.

فالهمة العالية اذن تحرك الوجدان وتدفع المرء لأن يخترق الحواجز ليصل الى ما تصبو اليه نفسه ليكون رقماً في هذه الحياة وفي سبيل ذلك يبذل المرء كل غال ونفيس فترسل الهمة نوراً وضياء في القلوب واريجاً فواحاً في النفوس ويترجم كل ذلك الى عمل مخلص متواصل دؤوب ليبني الوطن بسواعد ابنائه ويعزز الولاء والانتماء واما من ضعفت همته ووهنت فان معالمه ستطمس ولا حياة ترجى منه فهو كالصوف المنفوش تذروه الريح كيفما شاءت او كرماد اشتدت به الرياح في يوم عاصف ومتى كثر ضعاف النفوس في المجتمع اهتزت اسسه وتداعت اركانه اذن هناك شروط لزيادة الفعالية والانتاجية بهمة عالية من اهم هذه الشروط المثل العليا ومقدار موافقة هذه المثل لما يليق بالانسان من حقوق وعدالة ومساواة وانصاف ولا يمكن لأي مجتمع ان يعيش بغير مُثل عليا سواء كان مصدرها الخالق او المخلوق وتفاوت المجتمعات يكون على قدر ما في مُثلها من صواب وعلى قدر ما تُبذل من جهود لتحقيق ذلك واتباع الطرق الصحيحة لبناء الانسان وفق المثل الأعلى فإذا كان منهج المسؤول بالتعامل واتخاذ القرارات بعيداً عن المصلحة الخاصة وبعيداً المحسوبية والشللية ويضع مخافة الله امام عينيه فإن القيم العليا تتحقق ويصبح كل موظف مهما كانت درجة وظيفته يعتبرها المثل العليا التي يعمل وفقها بكل تفاني واخلاص.

اما اذا كان ذلك المسؤول يعين ويقرر وفق مصالحه الشخصية ومحسوبياته فلن يكون من ذوي المثل العليا بل سيساعد على انحراف الموظف عن المسار الصحيح فلنبدأ الاصلاح من انفسنا لنكون مثالاً يحتذى للجميع .

hashemmajali_56@yahoo.com