هل نرى "الاخوان " في البرلمان القادم ؟
سميح المعايطة
29-08-2015 10:08 PM
ما بين صيف ٢٠١٢ واليوم مسافة زمنية لا تتجاوز ثلاث سنوات، لكنها من الناحية السياسية والتنظيمية لجماعة الإخوان المسلمين غير المرخصة مسافة طويلة حملت تغيرات جوهرية في قوة ومكانة الإخوان محلياً ودولياً .
صيف ٢٠١٢ كان موسم الانتخابات النيابية في الاْردن التي جاءت ضمن استحقاقات الربيع الأردني والإصلاح وحركة الشارع، ويومها كانت القيادة الاردنيه تريد الانتخابات تتويجاً لمجموعة خطوات إصلاحية مثل انشاء الهيئة المستقلة للانتخابات والمحكمة الدستورية، وكانت تريدها رساله للعالم بأن الدولة الأردنية تجاوزت سنوات الحراك بمسار سلمي، وأن النظام السياسي مستقر وقادر على إدارة عملية سياسية داخلية.
يومها كانت الجماعة في قمة تعاملها الفوقي مع الدولة الاردنية، حيث كانت تستمد قوتها من حكمها لمصر وتحالف تنظيمها الدولي مع محور إقليمي، وكانت تحكم في تونس، وتنتظر سقوط نظام الاسد وعيونها على حضور قوي في الحالة ألجديدة.
وداخلياً كانت تعتقد أن الدولة ضعيفة، وأن الفرصة متاحة للجماعة لتحقيق مكاسب كبرى تتجاوز عدداً من مقاعد البرلمان، ولهذا كانت المقاطعة للانتخابات والتي رافقها قناعة بأن الدولة ستفشل في اجراء انتخابات معقولة سواء على صعيد الإدارة أو المشاركة الشعبية، وكانت الجماعه تشترط لمشاركتها تعديلات دستورية تغير بنية النظام السياسي وتحول موقع الملك إلى موقع شكلي، لاعتقادها أن اغلبيه البرلمان مضمونة وهي طريق لتشكيل حكومة هي صاحبة كل الصلاحيات بعدما يتم تجريد موقع الملك من صلاحياته.
لكن الزمان تغير فلم يسقط بشار، بل سقط نظام الاخوان في مصر، وخرجت الجماعة من السلطه في تونس، ومحلياً ازداد تماسك الدوله وحضورها، وتغيرت المحاور في الإقليم، وعادت خلافات الجماعه الى السطح وتم ترخيص اخوان جدد هم من الطبقة القيادية للجماعة الأم، وأصبحت الجماعة القديمة قانونياً بلا أي غطاء، وهي اليوم تحاول القول أنها قوية وحاضرة من خلال بعض المهرجانات وتحديداً ما يخص فلسطين التي لا يختلف على مناصرتها أحد.
لكن الجماعة بعد شهور ستواجه سؤالاً سياسياً وتنظيمياً هاماً يتعلق بالانتخابات النيابية والمشاركه فيها، والاجابة الاسهل لكن الأكثر كلفة هي الهروب من استحقاقات المشاركة داخلياً بالذهاب الى المقاطعه رفضاً للقانون والتبريرات الأخرى التي قدمتها الجماعة منذ عام ١٩٩٧ وحتى عام ٢٠١٣، لأن المشاركة قرار هو الأصعب وبخاصة مع قواعد تنظيمية تعيش حاله من التحشيد ضد العمل النيابي بل هي اليوم تحمل موقفاً جذريا من الدولة .
والسؤال :- هل سنرى افراداً من الجماعة في البرلمان المقبل ؟!، والاجابة لاتبدو سهلة لأن كلا الخيارين صعب على الجماعة غير المرخصة، لكن الإجابة مرتبطة بعوامل منها:-
١ - إن دخول الجماعة غير المرخصة إلى الانتخابات يحتاج الى جهد تنظيمي داخلي لاقناع القواعد بفكرة المشاركة بعد حوالي عشرين عاما من الشحن الفكري والسياسي لابناء الجماعه ضد المشاركة، بل أن المشاركة عام ٢٠٠٧ تركت أثراً عكسياً وعزز فكر المقاطعة، والثمن الذي ستدفعه القيادة اذا ما قررت المشاركة سيكون كبيراً داخلياً .
٢- إن التطورات الأخيرة وبخاصة بعد ترخيص الجماعة الجديدة رافقه من القيادة القديمة شحن داخلي بأن الدولة تتآمر على الجماعة وأن الجهات الرسمية تلاحق التنظيم بل وتستجيب لضغوطات دول اخرى حظرت الجماعة، وهذا صنع قناعة لدى القواعد بأن أي فعل سياسي لا مبرر له، وهذا كله يجعل من قرار المشاركة انقلابا على فكر وممارسة تقوم بها الجماعة القديمة منذ عشرين عاماً تقريباً .
٣- إن الجماعه التي رفضت المشاركة في الانتخابات الأخيرة ووضعت شرطاً غير ممكن وهو سحب صلاحيات الملك، وكانت تتعامل باعتبارها أقوى من الدولة، ستحتاج اذا ما قررت المشاركة إلى خطاب سياسي وفكري تبرر به انقلابها على ذاتها، وعليها أن تقول للناس وقبل هذا لقواعدها ما يجعل خطابها مقنعاً وما يجعل قواعدها تعمل من أجل الانتخابات .
٤- ان الجماعه اذا ما شاركت ستواجه السؤال القانوني في ظل وجود الجماعة المرخصة، وبخاصة في ظل اعلان الجماعة المرخصة رغبتها في المشاركه في الانتخابات المقبلة .
٥- والأهم أن الجماعة اذا ما شاركت في ظل عدم تغير الظروف التي كانت تبرر بها مقاطعتها خلال السنوات الماضية فان هذا سيعني تراجعاً عما سبق، ومؤشر ضعف وخضوع لمعادلة كانوا يقفون ضدها بل يحاولون إقناع الناس بها وبرفض المشاركه والذهاب نحو المقاطعه، وهو أمر لم تنجح به الجماعة مع الناس ولا حتى مع احزاب المعارضه التي كانوا يتحالفون معها وشارك معظمها في الانتخابات السابقة .
٦- وعلى الجانب الاخر تبدو فكرة المشاركة هامة ممكنة اذا ما اعتبرت الجماعة أن المشاركة ودخول البرلمان آداة لحماية نفسها مما تراه استهدافا لها، وهو مبرر مهم لكن الجماعة لن تستطيع الإعلان عنه للناس، ولا يمكنها ان تتحدث به لتبرير انقلابها على كل ما قالت خلال كل مواسم الانتخابات الماضية ، وربما لن يكون كافياً لاقناع القواعد وأبناء التنظيم بفكرة المشاركة لان الوجود في البرلمان ليس بالضرورة أن يغير من تقييم الدولة لمسار الجماعة وأدائها خلال السنوات الأخيرة .
ما زال الوقت مبكراً حتى تدور عجلة الانتخابات، لكنه ليس كذلك على جماعة تبرر مواقفها بالفكر والسياسة وحتى الدين ، ولو قررت الجماعة اليوم أن تشارك فإن كل ما بقي من وقت لن يكون كافياً لادارة هذا الملف داخلياً، كما الذهاب إلى الجواب السهل وهو المقاطعة فيعني تكريس غياب الجماعة عن الحياة السياسية باستثناء مهرجاناتها، ويعني إعطاء المساحة الفارغة للجماعة المرخصة حتى لو كانت في بداية طريقها .
وسواء شاركت الجماعة أو قاطعت فإن مشكلتها مع الدولة الاردنية في نهجها الذي فقد مصداقيته، وتعدد اللغات واللهجات في خطاب الجماعة، وما تحتاجه الجماعة أن تقتنع أن هناك حاجة لأن تراجع نهجها لا أن تكتفي بإسناد كل ما يجري لها على الآخرين بمن فيهم عشرات القياديين الذين تركوها وظهروا في الجماعة ألجديدة .