الموقف والموقع .. تبدّل ام تطور
عمر كلاب
29-08-2015 04:29 AM
القاعدة السياسية تقول “ تتبدل المواقف بتبدل المواقع “ دون تحديد لشكل وطبيعة التبدل وظروفه، لكن الحياة السياسية اثبتت ان هناك الية لطبيعة التبدل وطبيعة الموقف محكومة بالظرف السياسي وموقع الشخص في السلطة، فإذا كان فيها فهو يمارس التنفيذ ضمن اشتراطات الفريق التنفيذي وبرنامجه اي انه لا يملك أحقية تنفيذ الرؤيا الفردية الا اذا استقامت وتوافقت مع الفريق، ولذلك انتجت العقلية السياسية في الدول المتقدمة نموذج حكومة التنفيذ التي تجلس على مقاعد المسؤولية وحكومة الظل التي تجلس على مقاعد المعارضة وفي الحالتين لا يوجد رأي فردي الا داخل الاطار الجماعي فإذا نجح بات موقفا جماعيا، واذا فشل بقي اسير عقل صاحبه فإما يعاود الكرّة او يتجاوز الفكرة ويتخلى عنها.
الحياة السياسية انتجت هذه العلاقة بين الموقف والموقع عبر سنين من التجارب السياسية المؤطرة جماعيا بأحزاب وتحالفات لم تعرفها العقلية السياسية الاردنية بعد، لذلك تجد الهجمة على صاحب الموقع ان ابدى رأيه او موقفه بعد المنصب او خلاله، فمصطلح التغريد خارج السرب ملتصق بكل من يخالف الفريق وكذلك يلاصق التلون او التبدل من يبدي رأيه بعد المنصب، وكأن المنصب حالة مستدامة او عقد طويل الأجل مع صاحبه لبقائه داخل المنظومة التنفيذية التي اصبح خارجها، دون قراءة الفرق بين العمل الجماعي والرأي الفردي، ودعم هذا الاختلال مؤسسات ومراكز قوى تسعى الى تأبيد الحالة القائمة وعدم تطورها وتسعى الى أسر العقل وتجميده.
النماذج الايجابية في التطبيق لهذه القاعدة محدودة اردنيا،فثمة مسؤولون سابقون ابدوا رأيا مخالفا للحالة القائمة وفق قواعد اللعب السياسي وشروط الملعب الوطني، واذا ما اراد احد التعمق اكثر في الظاهرة فإنهم الاقرب الى مفهوم الانتماء للبرنامج الوطني والرؤيا الملكية من غيرهم، طبعا مع الاحتفاظ بالاختلاف معهم وبينهم بكثير من المسائل، لكنهم نموذج قريب من الحالة والفكرة لمبدأ الموقع والموقف.
النماذج السلبية كتوفرة ايضا في الحالة السياسية الراهنة، فثمة من يقرأ الحالة الوطنية بحكم موقعه وليس بحكم موقفه فإذا كان في السلطة فالدنيا كلها خير واذا ما كان خارج الموقع فالموقف سواد في سواد، وتلك الفئة ساهمت في تعميق حالة الشذوذ السياسي الحاصلة الآن وسببا في تعميق الفجوة المعرفية لمفهوم الموقع والموقف ربما لأن تلك الفئة لا تملك موقفا بالاساس او لان موقفها اقرب الى مواقف الحافلات كمحطة للوصول الى الهدف او الوجهة المنشودة.
مهارة الاردنيين في لعبة الليغو السياسية كشفت الفرق بين المفهومين لكن صعوبة الظرف وتغليب الانفعال على العقل فتح مجالا لضم الفريقين في فريق واحد مسنودا ذلك بدعم من مراكز القوى التقليدية وجماعات الضغط السلبي او العكسي،، وتحتاج الحالة الاردنية الى فرصة هادئة لاعادة ترتيب الفِرق وتحديد الفرْق بينهما لاستكمال المسيرة نحو تشكيل حالة وعي سياسي تعين على فهم الية التعامل مع المرحلة القادمة التي تحتاج
الى تظهير الفوارق بين الفريقين وتحديد الية التعامل معهما وعدم وضعهما في سلة واحدة.
اللحظة المقبلة والراهنة صعبة وتحتاج الى جهود مخلصة وعقول واعية تجتمع لوضع خطة تعامل وانقاذ واسناد للحالة الوطنية فما عاد مقبولا ان يكون شخوص الازمة هم ادوات الحل، وهذه معضلة السياسة المحلية الكبرى، فالاصلاح بحاجة الى اصلاحيين ومحاربة الفساد تتطلب جرأة يمتلكها النظيف الواعي.
الدستور