يتحرك الاخوان المسلمون لمواجهة الازمة التي عصفت بهم بمنطق العشيرة, لا بمنطق التنظيم السياسي او الدعوي, فعلى امتداد الاشهر التي اعقبت عملية “التصويب” لجأ الاخوان الى استنهاض طاقتهم الاجتماعية , فنظموا سلسلة من الافطارات الرمضانية, واستثمروا معارفهم وامتداداتهم العشائرية لاظهار التأييد الشعبي لهم , و في كل ذلك كان منطق “العشيرة” حاضرا ، فيما لم نشهد اي محاولة جادة للرد او حتى الاحتماء بالمنطق السياسي ناهيك عن الدعوي.
الاخوان, اذا , “عشيرة“ وليسوا تنظيما سياسيا او دينيا، و”مجتمع الجماعة “ في الاصل يعتمد على العلاقات الاجتماعية , ويحتكم ايضا لما تفرضه هذه العلاقات من احكام وتقاليد ومراسيم, وما يحيط بها من ظروف ومستجدات, وبالتالي فان هذا المجتمع العشائري مثل غيره من المجتمعات معرض للامراض التي تصيب العشيرة ، ابتداء من الصراع على الزعامة الى الاختلاف على المغانم، الى الهروب للجاهات والمصالحات “الوجاهية” .
لكي نفهم كيف يفكر الاخوان المسلمون وكيف يمارسون السياسة و الدعوة , يجب ان نضع دائما في اعتبارنا انهم “عشيرة” يظهر ذلك واضحا في الانتخابات التي تفرز قياداتهم و مجالسهم , وفي النشاطات التي يقومون بها , وفي ادارة المراكز والجمعيات و المدارس التابعة لهم , كما يظهر ايضا في خطابهم العام و في علاقاتهم مع الدولة بمؤسساتها و احزابها المختلفة.
منطق العشيرة يمكن ان يؤسس لروابط اجتماعية ايجابية بين الافراد او لمبادرات تخفف الصراع, او لفزعات تساعد المحتاجين وتنصف المظلومين, لكنه لا يمكن ان ينتج مشروعا وطنيا جامعا, او خطابا سياسيا عابرا للولاءات الفرعية , او برامج معتبرة لادارة الشان العام.
استثمر الاخوان بالطبع في الدين لاضفاء “الشرعية “ على نمط جديد من العشائرية السياسية, واستفادوا من الظروف و القوانين المختلفة لحشد الاتباع و المتعاطفين , وبالتالي اصبحوا اكبر عشيرة في البلد , وحازوا على اكبر نصيب من الاصوات في الانتخابات البرلمانية التي شاركوا فيها , وتمكنوا من اقامة مشروعات اقتصادية كبرى , رفدتهم بمايحتاجونه من اموال لتمويل نشاطاتهم المتنوعة .
حين عصفت الازمة الاخيرة بالاخوان , انقسموا الى ثلاث تيارات : الجماعة الام , و الجمعية المرخصة , وجماعة الحكماء , وكلهم اعتقد انه الاحق بالجماعة , والاولى بالانتساب اليها والاحتفاظ باسمها , تماما كما يفعل “زعماء” العشيرة الواحدة حين يختلفون على موقع “المشيخة” ويتصارعون من اجل البقاء فيه , فيما شهدنا اكثر من تجربة انشقاق في احزاب و تنظيمات سياسية جرت بانسيابية طبيعية , حيث خرج المنشقون واسسوا حزبا جديدا يتناسب مع افكارهم دون ان يتصارعوا على “الاسم” او يتقاسموا “المولود” فيما بينهم.
ما فات على الاخوان ، امس واليوم , هو ان العشيرة يمكن ان تصلح كاطار اجتماعي لا كاطار ديني, كما ان منطقها يمكن ان ينجح في تنظيم العلاقات بين افراد ينتمون للدم والعرق لكنه سيفشل في تنظيم العلاقات بين افراد تجمعهم المشتركات والطموحات السياسية او الافكار والقيم الدينية.
بدل ان يكون لدينا “تنظيم “ سياسي يتحرك باسم الدين , لدينا الان ثلاث “عشائر”داخل جماعة الاخوان , الاولى ما تزال تحافظ على بنيتها الاجتماعية وتحاول ان تعززها في الاتجاه ذاته دون ان تفكر في تجديد خطابها الساسي و الديني, والثانية انتزعت الاعتراف الرسمي لكنها عجزت عن اكتساب المشروعية الاجتماعية والسياسية , والثالثة “ حائرة” لم تحسم موقفها بعد , والمشكلة ان العشائر الثلاثة ما تزال تتحرك في اطار اجتماعي لا سياسي , في الوقت الذي خسرت فيه مشروعيتها الدعوية , وافقتدت حيويتها و تماسكها و جزءا من “الاخلاقيات “ التي ارتكزت اليها في تنظيم علاقاتها مع المنتسبين اليها ومع جمهورها ايضا .
ان تكون الجماعة “عشيرة” ليست تهمة ولا نقيصة ابدا , ولكنها واقع ملموس وضرورة لتشخيص الحالة , وفهم الازمة , و معرفة الدور الذي تقوم به ثم كيفية التعامل معها , سواء قبل اعضائها او من قبل الدولة و مؤسساتها ايضا.
الدستور